قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهمّ حبَّبْ إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ...» متفق عليه، لذا نبع حبّ المدينة في قلوب المسلمين بشكلٍ ملفت، وبكلّ ما فيها، سواءً جبالها وحرارها، أو أوديتها وآبارها، أو مساجدها ومواقع مصلى النبي، أو شوارعها التي كان يغدو ويروح فيها، بل الحبّ يصل إلى تربتها، فيجتهد كلّ مسلم أن يسند إليها بعض المزايا والفضائل، وكلّ ذلك لأنها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضجعه، ولأنها محبوبة برزت بعض الإضافات المتأخرة في بعض المسميات التي دخلت ضمن تاريخ المدينة، ولم يكن لها أصل أو دليل ولعلاقة تاريخها بسيرة الرسول يجب المحافظة على صحة وسلامة ذلك التاريخ، ومن تلك التسميات «الدخيلة» مسمى مسجد الغمامة، والمساجد السبعة.

أولا: تسمية الغمامة على مسجد المصلى

أما مسجد المصلى فسمي بالمصلى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى العيد في موقع المصلّى، ولوروده في حديث النبي، فقد جاء أن الرسول خرج إلى المصلى وقال «هذا مستمطرنا ومصلانا لفطرنا وأضحانا، فلا يضيق ولا ينقص علينا». رواه ابن شبة.


وقد تتابع المؤرخون في ذكر (المصلى) ولم يذكر أي اسم آخر له، وبعضهم ذكر مسجد المصلّى. ولم يكن هذا المكان في زمن النبي مسجدًا، بل كان فضاء، وإنما أنشيء المسجد في عهد عمر بن عبدالعزيز ما بين (87 - 93 للهجرة).

يقول السمهودي «لم يكن المصلى في زمن النبي مسجدًا بل كانت صحراء لا بناء فيها، والمسجد المتخذ بها اليوم إنما هو في بعضها، وهو المكان الذي كان يصلي به النبي صلاة العيدين والاستسقاء وصلاة الغائب على النجاشي».

ولقد جانب الصواب من فسّر بأن السحابة التي أَمْطَرَتْ على مسجد المصلى بأنها غمامة ظللت رسول الله، بل إنها غمامة مطر جعلت الناس يتسارعون إلى منازلهم، وأُمطِرَ الرسول مئات المرات في حياته، ولم يذكر أحد من المؤرخين أن سحاب (المطر) أو الغمام الممطر كان لصد أشعة الشمس عن رسول الله، وإنما كان السحاب الممطر استجابة لدعاء الرسول أو كان مطرًا طبيعيًا.

وقد أُمْطِرَ رسول الله في مسجده عشرات المرات، وقد استمر مرة مدة أسبوع كامل، ومرة في رمضان في ليلة القدر، وكذا أُمْطِر في سفره للغزوات وغيرها مثل المطر في غزوة بدر، فقياسًا على المسمى الذي أطلق حديثًا على المصلى بأنه مسجد الغمامة أولى أن يطلق على مسجد رسول الله مسجد الغمام. والغمام (جمع غمامة) الذي ظلل رسول الله هو ما ورد فقط في ثلاثة مواقع:

الأول: في قرن الثعالب عند رجوعه من الطائف وهو مهموم. متفق عليه.

والثاني: تظليل الغمامة له صلى الله عليه وسلم في ديار بني سعد، كما رواه ابن سعد في طبقاته.

والثالث: تظليل الغمامة له صلى الله عليه وسلم أثناء ذهابه إلى الشام، كما رواه ابن شبة والترمذي وابن حبان والبيهقي موصولا.

لذا يتم إرجاع اسم المسجد التاريخي إلى مسجد المصلى، وحذف كلمة الغمامة حفاظًا على تاريخ المدينة النبوية ومراعاة للتسلسل التاريخي وفق ما ورد إلينا.

ثانيا: المساجد السبعة

أما المساجد السبعة فلا يوجد في تاريخ المدينة ما يسمى بـ«المساجد السبعة»، حيث برز ذلك المسمى متأخرًا، أي بعد عام 1350 للهجرة، فقد انتشر في بعض الكتب المؤلفة حديثًا التي لا يعتمد عليها كإبراز لوحات إرشادية تبين مواقع تلك المساجد بالمدينة المنورة، فجميع المصادر التاريخية حسب طبقتها من القرن الثاني الهجري حتى بداية القرن الـ15 الهجري لم تذكر تلك المساجد بهذا المسمى (المساجد السبعة)، مثل: أخبار المدينة لابن زبالة (ت 199هـ)، المغازي للواقدي (ت 207هـ)، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة (ت 262هـ)، رحلة ابن جبير لابن جبير (ت 578هـ)، الدرة الثمينة لابن النجار (ت 643هـ)، رحلة ابن بطوطة لابن بطوطة (ت 726هـ)، التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة للمطري (ت741هـ)، تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة للمراغي (ت 816هـ)، المغانم المطابة في معالم طابة لــ مجد الدين الفيروزآبادي (ت 817هـ)، تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة لــ محمد بن أحمد بن الضياء (ت 845هـ)، وفاء الوفا للسمهودي (ت 911هـ)، عمدة الأخبار في مدينة المختار لــ أحمد بن عبدالحميد العباسي (القرن العاشر)، المناهل الصافية العذبة في بيان ما خفي من مساجد طيبة لــ إبراهيم عباس الصديقي، وصف المدينة المنورة لــ علي بن موسى أفندي (ت 1303هـ)، تاريخ معالم المدينة المنورة للخياري (ت 1380هـ)، آثار المدينة المنورة لـ عبدالقدوس الأنصاري (ت 1403هـ)، فكل هذه المصادر لم تذكر مسمى (المساجد السبعة)، نعم هناك مسجدٌ تاريخي أثري معروف في جبل سلع بالمدينة، يقع المسجد على قطعة من جبل سلع في الغرب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في هذا الموقع على الأحزاب أثناء غزوة الخندق، فاستجاب الله دعاءه، وأرسل عليهم ريحًا كفأت قدورهم وقلعت خيامهم فانخذلوا ورحلوا.

وقد ورد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب في الصحيحين دون تحديد موقع الدعاء، لكن هناك روايتان من ابن زبالة بأن النبي صلى في مسجد الأحزاب ثم دعا، لكن أصحاب الحديث يضعفونه.

ولهذا المسجد عدة أسماء ذكرها المؤرخون، منها: مسجد الفتح؛ لأن الله تعالى أنـزل فيه الوحي بالنصر والفتح، وقيل: لقوله صلى الله عليه وسلم لما دعا: أبشروا بفتح الله ونصره. ومسجد الأحزاب؛ لأن رسول الله دعا في هذا المسجد يوم الخندق على الأحزاب، كما رواه البخاري، وفيه «اللهم اهزم الأحزاب». وسمي المسجد الأعلى لوقوعه على جزء مرتفع من الجبل.

وكان يكثر الدعاء والاستعانة بالله، فقد جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى قال: دعا رسول الله على الأحزاب، فقال: «اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم». رواه البخاري، فاستجاب الله سبحانه دعاء نبيه فأقبلت بشائر الفرج حيث أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده سبحانه وتعالى.

أما المساجد التي توجد في جنوب هذا المسجد، فلم ترد بمسمى (المساجد السبعة) إلا في الأيام الأخيرة.

لذا لزم إزالة لوحات (المساجد السبعة)؛ لأنّ ذلك يعد خطأ تاريخيًا، واستبدالها بمسجد الأحزاب أو مساجد الأحزاب تجاوزًا، علمًا بأنه لو استحدث مسجد آخر حولها أو ما بينها لأطلق عليها (المساجد الثمانية).

فعلى المحبّ للمدينة أن يعمل على معرفة تاريخها، وعدم الحذف أو الإضافة بغير سند أو مصدر.

ـ لا يوجد في تاريخ المدينة ما يسمى بـ«المساجد السبعة»

ـ برز مسمى المساجد السبعة متأخرًا، أي بعد 1350 للهجرة

ـ الكتب التي ورد فيها مسمى المساجد السبعة مؤلفة حديثًا ولا يعتمد عليها

ـ يجب إزالة لوحات (المساجد السبعة) لأنها تعد خطأ تاريخيًا

ـ يفترض استبدال لوحة المساجد السبعة بلوحة مسجد الأحزاب أو مساجد الأحزاب