إن التجديد والتطوير في التخطيط والتنظيم شرط أساسي لبناء المدن والحفاظ عليها، وضمان للاستمرار في توسيعها، دون الإخلال بمعايير البنى التحتية والمباني والمنشآت والخدمات، أو المساس بالمنظر العام الذي يعكس مدى الرقي والحالة الجمالية فيها.
إلا أن التشوه البصري ظاهرة طغت على كثير من المدن في العالم؛ حيث العشوائية في الترتيب والتخطيط والتنسيق والتنظيم، وكشكول من المباني غير المتناسقة، وفوضى البنى التحتية مع تردي الخدمات، الأمر الذي يعكس ما تعانيه تلك المدن من إهمال وتدن في المعايير وعدم خضوعها للتجديد والتطوير، مع التوسع العشوائي فيها دون النظر للكيفية والتقييم والدراسات المسبقة.
وقد أولت القيادة الرشيدة في وطننا الغالي اهتمامًا بالغًا بالمدن وتطويرها، ولا أدل على ذلك من النهضة العمرانية التي شهدتها العقود الماضية من حيث البناء والتوسع والخدمات، وقد أشار لذلك سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- أثناء الإعلان عن إستراتيجية تطوير مدينة الرياض حيث قال: «والبنية التحتية في الرياض رائعة جدا بسبب ما قام به الملك سلمان فيما يزيد عن خمس وخمسين سنة بإدارة مدينة الرياض والتخطيط لها».
إن بناء المدن والتوسع فيها أمر، والحفاظ عليها والاستمرار في تطويرها ومواكبة المتطلبات وتطويرها أمر آخر، وفي حالتنا السعودية يختلف الأمر عن بقية دول العالم؛ حيث العزم والإصرار من القيادة الرشيدة مع توفير المخصصات المالية الضخمة لها؛ يحتم علينا العمل بجدية، ولا يتأتى ذلك إلا بالاعتراف بالمشكلة وحصر تلك المظاهر والعيوب ومعرفة الأسباب التي أدت للتشوه البصري والتردي الخدمي، ثم العزم والإصرار على التغيير الجذري الذي بإمكانه مواكبة تطلعات القيادة الرشيدة وحاجة المجتمع حسب معايير عصرية عالمية، مع تفادي الأمور التي يمكن أن تكون عائقًا في المستقبل، والاستفادة من الكفاءات الوطنية والخبرات العالمية ودمج الأصالة والمعاصرة.
إن الجهات المخططة والمنفذة لبناء المدن وتطويرها في العقود الماضية كانت تلبي المتطلبات الضرورية والأساسية فحسب، وقد أبلت بلاء حسنًا حسب متطلبات تلك المرحلة، إلا أن خططها ومعاييرها وطرق تنفيذها باتت من الماضي، ولا أظنها قابلة للاستمرار أو مواكبة التطلعات وتلبية الاحتياجات الجديدة، فلكل مرحلة رجال وأدوات.
وفي ظل رؤية السعودية 2030 وما تتبناه من خطط ومعايير عالية وتطلعات مستقبلية؛ حان الوقت للعمل بجدية نحو مدن سعودية عالمية خالية من التشوه البصري والفوضى اللذين يظهران في بعض تفاصيلها، الأمر الذي لا يتوافق مع رؤية القيادة الرشيدة ولا يخدم مسيرة التنمية الحديثة ولا يساهم في خلق بيئة جاذبة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياحيًا.
ومن هذا المنطلق وأداء للواجب الوطني أو طرح بعض الحلول لإدارة المدن وتطويرها ومحاربة التشوه البصري فيها؛ لجعل مدن مملكتنا الغالية في أرقى المستويات والمعايير العالمية لتكون أنموذجًا عالميًا يحتذى به، أوردها في نقاط عدة:
-1 إعادة هيكلة الجهات التخطيطية والتنفيذية مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والأمانات والبلديات التابعة لها، وتحديث كوادرها ومعاييرها وتجديد الكفاءات التي تحمل رؤية القيادة.
-2 وضع معايير عالية وموحدة للمباني السكنية والتجارية والمنشآت الحيوية.
-3 وضع معايير عالية وموحدة للبنى التحتية مثل الطرقات والشوارع والجسور والإنارة.
-4 سن أنظمة وقوانين محفزة وأخرى رادعة لمحاربة التشوه البصري ورفع مستوى الخدمات.
-5 وضع خطة متكاملة يتم بموجبها إشراك الجهات الحكومية مثل وزارة الثقافة وهيئة الترفيه وغيرهما بوضع خطط حسب مجالاتها لجلب المناشط والفعاليات والمظاهر الجمالية التي تحد من ظاهرة التشوه البصري، مثل تبني الرسامين والفنانين التشكيليين والمصورين المحترفين لملء الفراغات واستغلالها لمناظر جمالية وتوعوية بناءة.
-6 وضع خطة متكاملة يتم بموجبها إشراك القطاع الخاص بأنواعه في طرح مشاريع ومبادرات ومسابقات تساهم في إضفاء اللمسات الجمالية وتحويل التشوه البصري إلى مناظر ومناشط حيوية جاذبة تشع نورا وجمالا.