لقد كانت نهاية الحضارة الأوروبية على يد آخر نظرية، آخر ثمرة فلسفية من ثمار تلك الحضارة.. «الماركسية»، بوجودها

نحن إذن على أبواب عصر آسيا، عصر الإنسان الذي سميناه الأصفر، وعشنا لا تثير فينا أية أحداث هائلة تقع فيه إلا أوهى الانفعالات والاهتمام، وكأن ما يحدث يحدث في كوكب آخر. بل إننا لمضطرون أن نفهم الفهم الصحيح، وندرك الإدراك الحق، أن مستقبل الإنسان في عالمنا نفسه يتقرر هنا.. إن مصير أمريكا هنا، الحضارة الأوروبية أيضا مآلها سيتحدد هنا، الرأسمالية نفسها، بل حتى الماركسية، وشكل ونتيجة ونهاية الصراع بينهما أمور أبدا لن تتحدد إلا هنا، بل حتى قضية كقضية فلسطين ووجود كالوجود الإسرائيلي إذا كان اليوم أمره مرهون بإرادة أمريكا وما بينها وبين الاتحاد السوفييتي من صراع حوله، وإذا كان الشد والجذب بيننا وبين إسرائيل هنا، فإن الحل النهائي للقضية أيضا هناك في آسيا

ليس مجرد حماس لمنطقة أنا حديث القدوم منها، ولا من قبيل التهويل ما أقول. لقد كانت نهاية الحضارة الأوروبية على يد آخر نظرية، آخر ثمرة فلسفية من ثمار تلك الحضارة.. «الماركسية»، بوجودها، بقيام أول ثورة شيوعيـة، بانقسام أوروبـا إلى معسكرين، إلى اشتراكية ورأسمالية تعادى إحداهما الأخرى أبشع عداء، بانتهاء الجولة الأخيرة بالحرب العالمية الثانية انتهت الحضارة الأوروبية وتجمدت.. إذ بدلا من المضي قدما انقسمت إلى قسمين همَّ كل منهما أن يجمد وضع الآخر وأن يمنعه عن الحركة، النتيجة الحتمية ـ والتوازن قائم ـ أن يتوقف الإنسان كعربتين متساويتي القوة تحاول كل منهما أن تزحزح الأولى، فلا يتحرك أي منهما خطوة.


1972*

* كاتب وروائي مصري«1927 - 1991»