في عالم الأعمال لامجال للاستخفاف بالمنافس أو تجاهل أي مشكلة مهما صغرت، لذا يجب التركيز، ومعرفة القدرات، واختيار الشريك الصحيح، وتدريب الموظفين، واكتشاف الأسواق، كلها عوامل نجاح، بالإضافة إلى عدم احتقار المنافسين أو السخرية من الأفكار الجديدة. وسأعرض هنا مثالين لشركتين كانتا ملء السمع و البصر بمنتجاتهما، وبسبب احتقارهما للمنافسين أصبحتا نسياً منسيا.

الأولى شركة كوداك للتصوير التي تأسست عام 1892 في نيويورك وكانت من الشركات الرائدة في السوق، حيث وصلت قوة الشركة واتساعها إلى أن كل 100 كاميرا تباع منها 80 لكوداك التي تسيطر على %90 من سوق الأفلام -أفلام التصوير- و %85 من سوق الكاميرات في أمريكا، لكن عندما تحتقر المنافس ولا تبالي وتستصغر قدراته فهنا تكون بداية النهاية، ففي منتصف الثمانينات من القرن الماضي ظهر ما يعرف بالكاميرات الرقمية التي لا تعتمد على كاميرات التصوير، ومعها تغيرت الكاميرات لكن شركة كوداك العظيمة احتقرت هذا المنتج ولم تعره أي انتباه؛ فبدأت في التدهور حتى أعلنت في 2012 إفلاسها، وأنا متأكد أن جيل الألفية الثانية لم يسمع بها.

أما مثالنا الآخر فعن شركة نوكيا لصناعة الهواتف المحمولة التي نشأت عام 1865 وسميت بنوكيا نسبة إلى مدينة في فنلندا، وكانت بدايتها في صناعة الأخشاب، ثم انتقلت إلى صناعة الأسلاك الكهربائية، ومن ثم دخلت مجال تصنيع الهواتف المحمولة في 1990، وفي عام 1998 أصبحت أفضل شركة مصنعة للهواتف المحمولة في العالم، إلى درجة أنها استحوذت على %50 من مبيعات الهواتف المحمولة في العالم.


ولكن التقليل من المنافس واحتقاره وعدم معرفة ودراسة خطواته والعمل على التغلب عليها هي أحد أسباب الفشل في العمل التجاري، ففي عام 2007 أعلنت أبل عن تصنيع هاتف ذكي وبسبب عدم النظر بجدية لخطورة المنافس قامت شركة نوكيا بعمل دعايات مليئة بالسخرية من الهواتف الذكية وسمتها بالهواتف الغبية، ولكن هذا الأمر لم يكن ذا أثر مما أدى لانخفاض مبيعاتها تدريجياً، ثم دخول منافس آخر وهو سامسونج إلى عالم الهواتف الذكية.

وفي عام 2012 حاولت نوكيا إصدار أول هاتف ذكي إلا أنه فشل لأنها أتت متأخرة والعملاء تحولوا إلى منافسيها دون اعتبار لجودة جهاز نوكيا، وفي النهاية قامت نوكيا ببيع وحدة صناعة الهواتف المحمولة إلى شركة ميكروسوفت بعد تفاقم الخسائر إلى حدود الإفلاس، و في مؤتمر سنة 2014 بكى بحرقة الرئيس التنفيذي وأعضاء الشركة على ما حل بشركتهم. وعلى النقيض منهما في عام 1977 اتفقت شركة «ديش جارمنت» البنغلاديشية مع شركة دايو الكورية على بناء مصنع ملابس -وهو أول مصنع ملابس معد للتصدير- وبعد الاتفاق أرسلت الشركة البنغالية 126 عاملاً لديها إلى شركة دايو الكورية لتدريبهم لمدة 6 أشهر على تشغيل المصنع والعمل فيه.

وحتى ننظر إلى نتائج هذا الأمر أقول إنه في عام 1981 كانت المبيعات 35 مليون دولار، وفي عام 2007 وصلت إلى 10.7 مليارات دولار، أما في 2021 فوصلت إلى 31.46 مليار دولار، وأصبحت الملابس أحد أهم صادرات بنجلاديش، حيث تمثل %77 من الصادرات، و يعمل بها نصف العاملين في القطاع الصناعي، وتصدر %60 من إنتاجها إلى أوروبا و %25 إلى أمريكا.

يستفاد من هذه التجارب أنه في العمل التجاري لا بد من مراعاة عدة أمور هي التكيف مع تغييرات السوق، ودراسة المنافسين وعدم التهاون أو التقليل من خطورتهم، والاستمرار في الابتكار والتطوير، والعمل بروح الفريق، ودراسة الأسواق، والتكلفة، والسيولة، وغيرها حتى لا يكون المآل كوداك أو نوكيا!