رغم القداسة العلمية للجامعات والدور المنوط بها في إعداد أبناء الوطن لتبوؤ القيادة العلمية والمعرفية والتربوية والإدارية لبلدهم، إلا أن ما حدث في جامعة القصيم يجافي هذا الدور، حينما ضغطت إدارتها على قسم "التقنيات" بكلية التربية من أجل تعيين عضو هيئة تدريس غير متخصص بل واللجوء إلى "التزوير"، متجاوزة بذلك كل الأنظمة والتعليمات، في حين تطبق شروط "شغل الوظائف" بصرامة على المتقدمين الآخرين الذين ظلت ملفاتهم حبيسة أدارج مسؤولي الجامعة لعدة أشهر.

وكان محاضر حاصل على درجة الدكتوراة ـ "تحتفظ "الوطن" باسمه وصور من مؤهلاته الدراسية، يعمل في الكلية التقنية ببريدة تخصص "مناهج وطرق تدريس" ـ قد تقدم إلى الجامعة للعمل في قسم التقنيات، فأحيل طلبه إلى القسم المذكور بكلية التربية، إلا أن القسم رفض الموافقة على تعيينه لعدم توافق تخصصه العلمي وعدم تطابق الشروط، وأعاد أوراق المتقدم إلى الكلية.

تزوير المحضر

بعد إعادة الأوراق من قسم التقنيات إلى كلية التربية، عقد مجلس الكلية جلسة برئاسة عميد الكلية الدكتور محمد الوطبان، مع عدم وجد محضر اجتماع قسم التقنيات الذي يشترط وجوده وفق لوائح أنظمة وزارة التعليم العالي بخصوص التعيينات. وتم النظر في قضية "الدكتور" المرفوض. وقرر المجلس الموافقة على تعيينه، إلا أن القسم استمر في رفضه، فرفع الأمر إلى المجلس العلمي، إلا أن الأخير أعاد كامل الأوراق للكلية لعدم وجود محضر اجتماع القسم، ليتم بعد ذلك إعداد محضر اجتماع مزوّر لقسم التقنيات يحمل توقيعات أعضائه، وذلك بحسب ما توضحه مذكرة رئيس قسم التقنيات الدكتور محمد البجادي الموجهة إلى إدارة الجامعة ـ حصلت "الوطن" على نسخة منها ـ يدعو فيها إلى التحقيق في قضية التزوير، إلا أن الجامعة لم ترد عليها حتى الآن.

وتضمنت المذكرة شكوى القسم من سعي عميد التربية إلى استصدار قرار بشأن قبول وتوظيف "الدكتور" بعيدا عن الأنظمة واللوائح المعدة لتعيين أعضاء هيئة التدريس، معللا ذلك بأن الموضوع يحظى بمتابعة شخصية من مدير الجامعة.

وأشارت المذكرة إلى الضغط المتواصل الذي تعرض له قسم "التقنيات" بسبب هذا الموضوع، موضحة أن مجلس الكلية أصدر قراره بالموافقة على تعيين "الدكتور" على الرغم من عدم اكتمال المسوغات النظامية، وفي مقدمتها محضر اجتماع القسم، وأنه عند مناقشة عميد الكلية عن محضر القسم أفاد بأن لديه محضرا بهذا الشأن، إلا أنه تم إبلاغه بأن قسم "التقنيات" لا علم له بذلك المحضر، وأنه اشتمل على توقيعات مزورة بأسماء أعضاء هيئة التدريس.

الجامعة ترد وتتجاهل التحقيق

إدارة الجامعة تجاهلت قضية التزوير ومضت قدما في قرارها بالتعيين، وطالبت الكلية بسرعة إنهاء إجراءات "الدكتور" وإرسال مسوغات تعيينه قبل ظهور نتائج التحقيق، وذلك من خلال مذكرة لوكيل الجامعة للدراسات والبحث العلمي الدكتور عبدالرحمن بن صالح الواصل ـ حصلت "الوطن" على نسخة منها ـ جرى إرسالها بتاريخ 15/ 6/ 1432، ويشير فيها إلى إحالة قضية التزوير إلى الإدارة القانونية بالجامعة، على أن تظهر نتائج التحقيق خلال أسبوعين بعد أخذ رأي الأقسام ذات العلاقة وهم عميد كلية التربية ورئيس قسم التقنيات السابق والحالي، إلا أنه لم يجر معهم أي تحقيق بهذا الخصوص ولم تظهر نتائجه حتى إعداد هذا التقرير أمس، بل قامت الجامعة بالتجديد لفترة جديدة لعميد كلية التربية ورئيس قسم التقنيات السابق في عمادة أخرى، مما استدعى رفع مذكرة من قسم التقنيات إلى عميد كلية التربية، يفيد فيها بأن الأنظمة والتعليمات واللوائح التنظيمية للهيئات الرقابية وتحديدا المادة أرقام "5، 6، 9، 10" وكذلك القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء تمنع استكمال المعاملة قبل انتهاء التحقيقات في قضية التزوير المشار إليها في المذكرة وظهور نتائجها.

تناقض في الإجراءات

استجابة للخطابات المتتالية الموجهة إلى قسم التقنيات ـ حصلت "الوطن" على نسخ منها ـ بضرورة عقد جلسة للقسم لمناقشة مسوغات تعيين "الدكتور" ورفعها لكلية التربية، عقد مجلس القسم اجتماعا أعلن فيه أنه لا يستطيع البت في هذا الموضوع، نظرا لوجود قرار سابق لمجلس الكلية بتفويض رئيس القسم باستكمال مستجدات الموضوع.

"الوطن" حصلت على خطابات متتالية من عميد كلية التربية موجهة إلى قسم التقنيات تدعوه إلى سرعة إنهاء إجراءات تعيين "الدكتور" المتقدم، في الوقت الذي تقبع فيه تعيينات لمعيدين ومحاضرين رفعت أوراقهم للعميد نفسه قبل 9 أشهر حبيسة أدراجه، ولم يرفع للمجلس بشأنهم حتى الآن، كما حصلت "الوطن" على خطاب من وكيل الجامعة للدراسات والبحث العلمي موجها إلى كلية التربية بإعادة ترشيح معاملة متعينين في وقت سابق، وذلك لعدم رفع أوراق المتقدمين إلا مجتمعة مع بيان ترتيبهم وفقا لمعايير المفاضلة المتبعة في الجامعة، بينما يطلب في المقابل من الكلية سرعة الرفع وإنهاء إجراءات "الدكتور" المتقدم دون رفعها مع غيره ودون إجراء مفاضلة مما جعل قسم "التقنيات" يرد على الوكيل بخطابه السابق نفسه.

ورفض عميد كلية التربية محمد الوطبان الحديث حول تفاصيل هذه القضية. وقال "ليس لدي مزيد من التفاصيل وأن الذي لديه معلومات وتفاصيل أكثر هو وكيل الجامعة للدراسات والبحث العلمي". وأشار إلى أنه لم يعقد أي اجتماع إلا بوجود محضر للقسم.

ضغوط وتجاهل التزوير

رئيس قسم التقنيات بجامعة القصيم الدكتور محمد البجادي أوضح في اتصال مع "الوطن" أن هنالك خطابات ومكاتبات بين القسم وإدارة الجامعة بخصوص تعيين "الدكتور"، إلا أن نتائجها لم تظهر على أرض الواقع، مشيرا إلى أن قسمه يواجه ضغوطا من إدارة الجامعة لإنهاء إجراءات تعيين "الدكتور" في ظل عدم وجود حاجة للقسم، وعدم تطابق التخصص العلمي للمتقدم، في حين تتجاهل الجامعة ما هو أهم وهو إنهاء التحقيقات في قضية تزوير محضر الاجتماع.

الجامعة تتملص

وتهربت إدارة الجامعة من إعطاء إجابات صريحة حول سبب إصرارها على تعيين" الدكتور" بقسم التقنيات على الرغم من عدم تطابق تخصصه، وما تم بشأن نتائج التحقيق في قضية تزوير محضر اجتماع القسم، فجاء ردها على لسان وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور عبدالرحمن الواصل بعيدا عن فحوى الموضوع، إذ قال لـ"الوطن" إن الأنظمة واللوائح والإجراءات الخاصة بتعيين أعضاء هيئة التدرس الحاصلين على الدكتوراه واضحة وتنظمها المادة 28/1 والمادة 28/4 من نظام مجلس التعليم العالي والجامعات والمواد من الحادية عشرة الى الخامسة عشرة من اللائحة لشؤون أعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعات، مشيرا إلى أن المؤهلات العلمية والعملية للمتقدم تتناسب مع مجالات القسم العملية وأن تكون هناك حاجة لخدمات المتقدم، وتوفر وظيفة شاغرة.