ينهي طلاب "البازخ, الفقارى ونعمه" بجبال منجد بمحافظة العيدابي التابعة لمنطقة جازان تعليمهم مبكراً حيث يعتبر الحصول على شهادة المرحلة الابتدائية بمثابة البكالوريوس في غيرها من المناطق.

طالب الصف الرابع الابتدائي علي جابر، حرم من والده في حادث مأساوي بأحد منحنيات جبال "الفقارى" بعدما تعرضت سيارته للسقوط بسبب وعورة الطريق الذي كان يسلكه، فالأسباب ليست كثيرة بل إن الأهالي لديهم "متهم" واضح هو "شبح" الطريق.

ومنزل يحي جمعان أغلق أبوابه بعد أن تعرضت الأسرة بأكملها لحادث مأساوي في ليلة العيد انجرفت بهم سيارتهم من مرتفع بجبال منجد وكان لعدم وجود "سياجات حديدية" دور في عدم تفادي الحادثة.

ويستمر مسلسل السقوط إلى هاوية المناطق الجبلية بعد أن عثر على 3 مواطنين أشلاء بأحد الأودية هوت بهم سيارتهم من ارتفاع شاهق بتلك المناطق الجبلية أثناء عودتهم من أعمالهم.

كما لم يشفع افتتاح مدرسة لبنات القرية من تعليمهن لتجاوزهن سن التعليم، ويزيد من معاناة تلك القرى الجبلية قلة مدها بالمياة الصالحة للشرب، ونقص في الخدمات الصحية والبلدية وخدمات الطرق والكهرباء وأماكن ترفيهية.

حرمان

ويروي المواطن حسين أحمد هروبي أحد سكان جبال "الفقارى" قصة معاناته وأبنائه التسعة بعد أن ترك منزله الوحيد واضطر إلى استئجار آخر في خميس مشيط كي لا يحرم أبناءه من التعليم ومن الخدمات الصحية، وقال "ما وجدته من صعوبة في نقل المرضى جعلني أترك قريتي للذهاب إلى محافظة خميس مشيط منذ 10 سنوات، ولا أنوي العودة إلا بعد أن تتحسن الأمور فيها".

أبناء.. معلمون

من جانبهما، جند الشابان حسن هروبي وأحمد سلمان نفسيهما لمحو أمية آبائهم وبعض المسنين في قرية البازخ.

ووجد هروبي وسلمان متعة في ذلك، وقالا لـ"الوطن": بدأنا في تعليم آبائنا الصلاة وقراءة القرآن وهو ما استحسنه بعض المسنين فانضموا إلينا"، وتابع طالب السادس الابتدائي حسن هروبي "قررنا تحديد مسجد القرية ليكون مدرسة لمحو الأمية لكل من يرغب في تعلم الصلاة الصحيحة وقراءة القرآن وتعلم الكتابة".

فيما قال طالب الصف الخامس أحمد سلمان "استحسن والدي تعليمي إياه وأصبح يؤدي الصلاة الصحيحة ويحفظ سوراً من القرآن الكريم وبعض الأحاديث الشريفة"

فرحة لم تتم

إلى ذلك، بين المواطن محمد أحمد أن وعورة الطريق وظروفه المادية حالت بين تسجيل بناته في مدارس القرى المجاورة، مفيداً بأنه استبشر خيراً بافتتاح مدرسة ابتدائية في العام الحالي، وقال "رفضت مديرة المدرسة قبولها و70 طالبة أخريات بحجة أن أعمارهن تجاوزت السن النظامية في مراحل التعليم العام". وتسائل محمد أحمد لماذا لا تستحدث مراكز لمحو الأمية حتى لا يستمر مسلسل حرمان الفتيات من القراءة والكتابة.

الابتدائية شهادة عليا

وأكد محمد جابر أن الشهادة العليا لطلاب جبال البازخ والفقارى ونعمه هي الحصول على شهادة الصف السادس الابتدائي، فهي الجامعة بالنسبة لهم وبعدها لا يستطيعون إكمال تعليمهم؛ حيث لا يوجد سوى مدرستين للمرحلة الابتدائية وبعدها ينهي أبناء تلك القرى مشوارهم التعليمي.

ظلام وحرارة

ولم تتوقف معاناة آهالي بازخ وفقارى ونعمه عند التعليم ووعورة الطريق، بل امتدت المعاناة إلى عدم وجود تيار كهربائي، فشكا المواطن محمد هروبي من الظلام الدامس وحرارة الطقس العالية، وقال "يكلفي تأمين وقود المولدات الكهربائية وصيانتها ما يقارب 4 آلاف ريال شهرياً، بسبب عدم إيصال التيار الكهربائي لجبال فقارى"، موضحاً أنه راجع كهرباء المنطقة الجنوبية بهدف إيصال التيار ولكن دون جدوى، ويضيف "وتزداد المعاناة بسبب زيادة أسعار المياه وقال "يصل رد الماء إلى ألف ريال بسبب تأخر السقيا ووعورة الطريق"، وتابع كلما راجعنا الدوائر الحكومية نطالب بإيصال الخدمات لقرانا يقنعوننا بأن وعورة الطريق هي العائق الوحيد بيننا وبين وصولها".

هاجس

وأفاد مدير مدرسة البازخ الابتدائية سالم القرادي بأن طلاب المدرسة بعضهم أيتام والبعض الآخر فقد قريباً أو عزيزاً بسبب وعورة الطريق، وقال "طرق مركز هروب أصبحت تشكل هاجساً بالنسبة لمرتاديها، وخصوصاً بعد تعرض عائلة أحد أصدقائه المكونة من 12 فرداً لحادث مأساوي ليلة العيد، وكذلك تيتم عدد من الأطفال ومنهم الطفل علي جابر الذي يدرس بالصف الرابع بنفس المدرسة, فيما تعرض 3 مواطنين للسقوط بأحد الأودية، عثر عليهم أشلاء".

قطة لفتح طريق

محمد الصهلولي هو ومجموعة جمعوا مبالغ مالية لتوسعة طريق على حسابهم وسفلتته، وقال "لا زلنا نجمع القطة لتوسعة طريق مزربة وسفلتته وقاولنا عمالاً إثيوبيين لذلك"، وعن سبب قيامهم بذلك قال صهلولي "الطريق يشكل معاناة كبيرة بالنسبة لمرتاديه، وأصابنا اليأس من كثرة مراجعاتنا ومطالباتنا بتوسيعه وسفلتته، وكفاية ما خسرنا من أقارب وأعزاء"، وتابع "جمعنا 65 ألف ريال لشراء مادة الإسفلت وتأمين المعدات عن طريق القطة ساهم بها عدد من المواطنين والمعلمين".

لافتا إلى أن الأهالي طالبوا بتشكيل لجنة عليا للوقوف على معاناتهم وإنصاف قراهم بتوفير احتياجاتها كي لا يتكرر مسلسل هجرة أهاليها.

انعدام الخدمات

وأضاف المواطن مفرح الأحمدي أن قرى مركز هروب بحاجة إلى مركز دفاع مدني: وخصوصاً أنه لا توجد شبكات للاتصال تمكن المواطنين من الإبلاغ عن الحرائق، وقال "القرى تفتقر إلى أماكن ترفيهية حتى يجد الأطفال ما يسلون به أنفسهم".

وأكد شيخ مركز هروب سلمان الهروبي ما يعيشه أهالي تلك القرى من نقص الخدمات الصحية والبلدية وكذلك خدمات المياه والكهرباء وشبكات الاتصال، وحاجة تلك القرى إلى مراكز محو أمية مما أدى إلى تأخرها تنموياً، مشيراً إلى أن وعورة الطرق تشكل عائقاً أمام وصولها.

وكشف الهروبي أن أكثر ما يلفت الانتباه هو عدم وجود مركز للدفاع المدني يخدم قرى هروب، وأن أقرب مركز يقع في محافظة صبيا ويبعد عشرات الكيلو مترات ولا يفي بالغرض لبعد المسافة.

وأضاف شيخ منجد محمد حسن قرادي إلى أن قراهم بحاجة لمدارس ثانوية بنين وبنات، وتطوير المركز الصحي الذي يفتقد للخدمات العلاجية والأطباء المؤهلين، بالإضافة إلى تعثر طريق منجد لمدة 4 سنوات.

من جانبه أوضح مدير تعليم الكبار بمحافظة صبيا محمد قضعان في تصريح إلى "الوطن" بأنه سبق وأن أعد برنامجاً لمحو الأمية بتلك القرى، وقد انتهت مدته الزمنية العام الماضي وستكون هناك خطط مستقبلية لتنظيم حملات أخرى، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في مواصلة الدارسين للمراحل الدراسية بسبب عدم توفر عدد كاف من المعلمين, وعن سبب عدم قبول طالبات جبال البازخ في المدارس نظراً لتجاوزهن سن التعليم، قال طلب مدير تعليم الكبار بأن عليهن مراجعة الإدارة وستحل مشكلتهن بصورة عاجلة.

إلى ذلك اتصلت "الوطن" بمدير الطرق والنقل بمنطقة جازان المهندس ناصر الحازمي للوقوف على المعاناة التي يعيشها أهالي المناطق الجبلية بمركز هروب من عورة الطرق و تعثر للمشاريع، ولمعرفة إذا كانت هناك خطط مستقبلية للحد من معاناة مرتادي تلك الطرق, إلا انه طلب إعطاء مهلة للإجابة على تساؤلات "الوطن".