يتحدث آدم جرانت وهو مختص في علم النفس التنظيمي عن قصة حدثت له عندما جاء إليه ثلاثة أصدقاء، وطلبوا منه الانضمام معهم في مشروع بيع أشياء عن طريق الإنترنت، وعندما سألهم عن الوقت المحدد لبدء المشروع، فلم يعطوه إجابة مباشرة، فرفض الاستثمار معهم، ولكن بعد فترة ظهرت شركة واربي باركر للأصدقاء الثلاثة، والتي تهتم ببيع النظارات، وتم الاعتراف بها الشركة الأكثر ابتكارا في العالم، والتي تبلغ قيمتها حاليا مليار دولار.

هذا الأمر جعل آدم جرانت يبدأ في دراسة المبدعين. ووجد أن الأشخاص المبدعين كانوا بطيئين جدا في بدء مشاريعهم، وأطلق عليهم لقب المسوفين، وهم عكس الفئة التي تهتم بالإنتاجية، والذين يجب عليهم إنجاز الأمور في وقت قياسي، ومن هنا كان التركيز على وجوب التفرقة بين الإنتاجية والإبداع. وبعمل دراسة ميدانية وجدوا أن الذين يقومون بالأمور بشكل مبكر هم أقل إبداعا من الآخرين، الذين يقومون بالتسويف باعتدال.

إن الأشخاص الذين يتسابقون إلى الإنجاز المبكر والانتهاء من أعمالهم بشكل سريع قد لا يكون لديهم الوقت الكافي للإتيان بأفكار مبتكرة.


نتيجة دراسة أخرى أنك إذا لم تكن تفهم المهمة المطلوب إنجازها بشكل جيد فلن يكون هناك دافع للإبداع. أحيانا المماطلة والتسويف تمنحانك الوقت للنظر في أفكار متباينة وللتفكير بطرق إبداعية والقيام بقفزات غير متوقعة.

وكما يقول أرون سوركين (البعض يسمي هذا التأخير والتردد مماطلة بينما أسميه أنا التفكير). إن الكثير من المبدعين في العالم لم تظهر إبداعاتهم بين يوم وليلة، فهذا ليوناردو دافنشي اشتغل ما يقارب الـ16 عاما على لوحة الموناليزا، وعندما كان مارتن لوثر كنغ يكتب أكبر خطاب له بعنوان مسيرة واشنطن كان يكتب ويشطب الملاحظات عشرات المرات، وعندما صعد على المسرح ترك كل ما كتبه جانبا وارتجل كلمته التي غيرت مجرى التاريخ وقال (لدي حلم).

ونعود لنؤكد أن التسويف والمماطلة أمران سيئان للإنتاجية ولكنهما دافعان للإبداع.

في دراسة لما يزيد عن 50 منتجا تقارن بين الذين اقتحموا السوق مبكرا وأولئك الذين تأخروا وقدموا شيئا مختلفا وأفضل. فوجدوا أن نسبة الفشل لدى المجموعة الأولى كانت 47 % مقارنة بـ 8 % للمجموعة الثانية، ولعلنا نتذكر هنا الهواتف الذكية لشركة نوكيا سابقا ولشركة أبل حاليا.

إن الإبداع لا يتطلب منك أن تبدأ من الصفر بل استفد من تجارب الآخرين وسبب فشلهم، فالفيسبوك مثلا انتظر حتى تكونت لديه شبكة اجتماعية رغم ظهور شبكات ماي سبيس وفريندستر قبله.

أما قوقل فقد انتظرت سنوات بعد التافيستا والياهو، والخلاصة أن تطوير فكرة شخص آخر هي أسهل بكثير من بدء شيء جديد من الصفر. ولعل الدرس الذي قد نتعلمه من كل هذا أنه لكي يكون الشخص مبدعا ليس عليه أن يكون الأول، ولكن يجب عليه أن يكون مختلفا وأفضل.

إن المبدعين يشعرون بالخوف والقلق مثل بقية البشر ولكنهم يتعاملون باختلاف مع تلك المخاوف والتحديات.

وأخيرا الشك نوعان شك ذاتي يدعو إلى الفشل والجمود وشك في الفكرة وهذا يبعث على النشاط والاختيار والتحسين.