في يوم السبت 26 مايو 2012 كان الوطن على موعدٍ مع واحد من مواسم جني أنفس وأغلى ثمارٍ يملكها، حينما رعى سفير المملكة في أميركا حفل تخريج 6000 من بنات وأبناء هذا الوطن من الجامعات الأميركية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث. كانت تلك اللحظات موعداً ليتبادل الوطن مع هذا العدد تغاريد الفرح والنجاح، وليقطف الوطن ثماراً يانعة.. شباب في عمر الورود يزداد بهم فخراً ورقياً وعزا. لحظات مشرقة انتظرها الوطن بفرحة، وانتظروها بشوق، فتعانقت الرغبات واختلطت المشاعر المبهجة بدموع الفرح، وكان ذاك يوما حمل في ثناياه أجمل وأروع مظاهر الفخر والبهجة. وهل يملك أي وطن أنفس وأغلى من ثروة الإنسان؟ ابتهج الوطن، وابتهج الخريجون، وابتهجت عائلاتهم، وابتهجنا نحن الحضور بهذه المناسبة الثمينة التي يجنى فيها الوطن ثمار أحد مشاريع الخير لقائد مسيرة هذه البلاد، والتي اقترب رقم المبتعثين فيها من 130 ألف مبتعث في مختلف دول العالم، والذي سيكون له على مدى الزمن أثر كبير في تربع بلادنا على مدرجات الدول المتقدمة.
هذا البرنامج الطموح جاء مواكباً لعصر القرية الكونية الذي نعيشه، حيث يهدف هذا البرنامج ـ كما جاء في نظامه ـ إلى اختيار الكفاءات السعودية المؤهلة وإرسالها إلى أفضل الجامعات في مختلف دول العالم، والعمل على إيجاد مستوى عال من المعايير الأكاديمية والمهنية من خلال هذا البرنامج، وتبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية في مختلف دول العالم بما لا يتعارض مع ثوابتنا وقيمنا ومثلنا، وبناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل، ورفع مستوى الاحترافية والمهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية.
لقد أتاح هذا البرنامج في فرصة ذهبية لهؤلاء الخريجين ولأمثالهم في هذا البرنامج في بقية الجامعات العالمية للاطلاع على أفضل البرامج في العالم، وسيتيح الفرص لبرامج التنمية كافة في بلادنا لتوطين الكفاءات المتعلمة والمدربة، مما سيكون لهذا التوطين من دور كبير للارتقاء بتلك البرامج.. كانت هذه المناسبة واحدة من الثمرات التي تم فيها تتويج رؤية قائد بلادنا بقطف ثمار غرس مشروعه الطموح الذي يراد به تحقيق تنمية مستدامة في مجتمع معرفي ينافس في القرن الواحد والعشرين. ويراد به تحقيق استثمارٍ ليس ككل الاستثمارات، حيث يندرج في كل أنواع الاستثمارات مبدأ الربح والخسارة إلا الاستثمار الذي يهدف له هذا المشروع، الاستثمار في الإنسان الذي يضمن الربح دائماً. هذا المشروع الذي يرى فيه المنصفون تجسيداً للعطاء وتقديراً للعلم ورؤيةً حقيقية للمستقبل. ولعل هذا المشروع لم يخل من تشويه ولم يسلم من نقد، والرد على كل من فعل ذلك كان هذه المناسبة ومثيلاتها التي تم فيها قطف الثمار، حيث شهدت الجامعات الأميركية ومثيلاتها للطالب السعودي بالتميز والمستوى العلمي المتقدم، بل إننا رأينا بما صاحب برنامج التخرج من فعاليات وعرض لبعض إنجازات الطلاب السعوديين.. تميزاً حقيقياً وتقدماً علمياً، بل وبراءات اختراع يتم تسجيلها بأسمائهم ضمن برنامج خاص تبنته وزارة التعليم العالي للمبتعثين، يتم فيه التكفل بكل المتطلبات المالية والإجرائية. كل ذلك جعلنا نشعر بالفخر والاعتزار بهذا البرنامج وبالجهود التي تبذل للاستثمار في الإنسان في بلادنا. صاحب برنامج التخرج أيضاً فعاليات علمية وندوات ومحاضرات شارك فيها بعض الخريجين وبعض القيادات العلمية في المملكة وفي أميركا، كانت تستغرق كل وقت النهار وبعض ساعات الليل، وكانت تنطلق من الخريجين وتهدف لخدمتهم، وكانت بالرغم من الساعات الطوال في غاية المتعة والفائدة.
العلم أساس نهضة الأمم، والإنسان في أي دولة هو أثمن وأنفس ثروة تمتلكها الدول. والاستثمار في تأهيل الإنسان وتعليمه وتدريبه هو أفضل استثمار، ولهذا كان إقرار ما قد نسميه "جامعة المبتعثين" خطوة كبيرة ومهمة وتاريخية سيكون لها أثر كبير في مد القطاعين الحكومي والأهلي بكفاءات مميزة تعمل على الارتقاء ببلادنا، لأن المنافسة في سوق العمل العالمي شرسة، وإذا لم يكن لدى أي دولة أفراد مؤهلون ومدربون فلن تستطيع أي دولة المنافسة في سوق العمل العالمي، ولن يرحم التاريخ الكسالى والمتهاونين والمقصرين الذين يعيشون في عالمهم لا في العالم، والذين لا يدركون أهمية المرحلة ومتطلباتها، والذين يضعون العوائق والمشكلات والمثبطات في طريق أي عمل أو برنامج أو مشروع جديد.
عالمنا اليوم عالم شرس، عالم متبدل ومتلون ومتقلب.. لابد أن نعرف متطلباته ومشكلاته في الوقت المناسب وإلا فسيبقى التخلف هو السمة البارزة. والأهم من ذلك أن نعرف أن لكل مشروع جديد مشكلاته وعوائقه.. فالتطوير تحد كبير. لابد من اليقظة الكاملة فيه، فهناك تحدي تنفيذ هذا المشروع، وهناك تحدي المستهدفين فيه، وهناك تحدي الملاحظين عليه، وهناك تحدي الاستمرار فيه، وهناك تحدي الاستفادة منه.. ولا بد من معرفة سمة كل تحد والعمل على علاجها بحكمة وروية.. والحكمة والروية تقتضي أن نعرف أولا أن هناك مراحل لاجتياز التحدي، ولا بد من معرفتها والتعامل معها بوعي كبير، والمراحل هي الرفض، المقاومة، القبول ثم التبني. والمرحلة الأشرس هي الأولى، وبالحكمة والروية يتم الوصول إلى نقطة النهاية بنجاح، وهي التبني.
برنامج خادم الحرمين للابتعاث أو "جامعة المبتعثين" من الإنجازات الكبيرة التي يحققها مجتمعنا، لأنه ببساطة يستثمر في الإنسان، ولأنه يؤهل الإنسان، ولأنه يوطن المؤهلين في مؤسساتنا الحكومية والأهلية.. وسوف يُرى هذا المردود في المستقبل القريب، إن شاء الله، بعد أن بدأت "جامعة المبتعثين" تضخ للوطن أعداد المتخرجين والمتخرجات في كافة التخصصات.
أما وقد قلنا ما سبق، أود أن أوجه الرسائل التالية: أولاً الدعاء بأن يوفق الله خادم الحرمين الشريفين ويمد في عمره لقاء ما يعمله لمواطنيه ووطنه.
والثانية لوزارة التعليم العالي، وزيراً ومعاونين، على جهودها النوعية الماثلة للعيان. والثالثة للملحقية الثقافية في أميركا بالتقدير لبرنامج حفل تخريج الدفعة الخامسة من برنامج خادم الحرمين الشريفين وما صاحبه من فعاليات متميزة في أيامه الثلاثة، امتزج فيها سمو الفكر، بالمشاركات العلمية من الطلاب والضيوف، وحرارة اللقاء وحسن التنظيم. والرابعة للخريجين بصادق التهنئة وأن يستغلوا كل حرف تعلموه لتحقيق طموح وأمل قائدهم فيهم. وقد أعطاهم الوطن، وهذا وقت عطائهم له. نسأل الله أن ينفع ويوفق ويبارك كل جهد مخلص.