تطوير الصناعات وتحسين وجودها في السوق، وتعزيز نسبة مساهمتها في الإنتاج الوطني، ومشاركتها في الدخل المحلي؛ مرهون بحجم الاهتمام بها ومستوى الاستثمار بمواردنا التي يزخر بها الوطن، من الموارد المعدنية والطاقة والمواد الخام لمواردنا الطبيعية، إلى الموارد الغذائية التي تتميز بها مناطقنا المتنوعة، سواء بإنتاجها الغزير وتميزها وكمياتها، أو بتنوعها وقابليتها للاستثمار والتطوير الصناعي لمنتجها الخام، لتكون سلعة تجارية أكثر تداولاً محليًا، ولتسهم في زيادة مشاركة المنتوجات الغذائية وصناعاتها، في محتوى صادراتنا الوطنية للسوق الإقليمي والعالمي.
تشهد مناطق المملكة سنويًا مهرجانات شعبية ونشاطات حية لترويج التمور وتسويقه بصفة خاصة، ويمتد ذلك ليشمل الزيتون والمانجو والعنب والتين الشوكي والبطيخ والبن واللوز، وكثيرًا من الفواكه والخضراوات، سواء في مناطق إنتاجه أو المناطق الأخرى التي تعد امتدادًا لمناطق إنتاجه الرئيسة، في حين يتعرض كثير منها للتلف بسبب ضعف التسويق وعدم توافر إمكانات حفظ كميات كبيرة من المنتجات الزراعية، علاوة على تضخم وجودها كمادة خام، واكتفاء السوق المحلية منها، وعدم قدرة ملاكها أو المستثمرين فيها كأفراد وشركات على تطوير استثمارها وتسويقها، سواء كصناعات حديثة تعتمد على المنتجات المحلية أو تصديرها بطرق مبتكرة ومنافسة في السوق العالمي.
في زيارة لمهرجان التمور النشط حاليًا في المدينة المنورة، تجد الكثير من أنواع التمور المتميزة بمذاقها وشكلها ونوعيتها الفاخرة، سواء كإنتاج محلي لمنطقة المدينة المنورة، أو ما يردها من المناطق المجاورة كالقصيم والأحساء من التمور المتنوعة، والتي يندر وجودها في كثير من أنحاء العالم، والتي يبحث عنها كسلعة غذائية مطلوبة، ومنتج صناعي يمكن تمريره بعمليات تصنيع مختلفة بسيطة وليست معقدة، لتجعل منه منتجًا صحيًا متنوع الاستخدامات، وبعدة طرق متطورة.
منذ سنوات تنظم هذه المهرجانات الشعبية لمنتوجاتنا المختلفة، في عدة مناطق، وبأسلوب متواضع نوعًا ما، رغم تطور رعايتها ليكون بعضها تحت مظلة وزارة البيئة والزراعة والمياه، ولكن حتى الآن لم يلحق المنتجات الزراعية تطوير صناعي مأمول كمنتج غزير، وكرمز وطني يستحق الاستثمار المتنوع فيه وبمستوى عالِ الجودة، ليغطي حاجة السوق المحلية، ولينافس مثيله في السوق العالمية شرقًا وغربًا، الذي يتعطش ويبحث عن تلك المنتجات الغذائية الصحية بجميع مكوناتها وبصورها المختلفة.
عندما بدأت بريطانيا التصنيع في مراحلها الأولى، كانت الظروف القائمة آنذاك والحاجة الملحة للتصنيع دافعًا أساسيًا لاكتشاف قوة البخار، للدفع بعجلة الصناعة لسد حاجتها المتزايدة من الغذاء الذي تعجز جزيرتها محدودة المساحة عن توفيره، بينما تزخر مستعمراتها المترامية في شرق الأرض وغربها به، فكان استيراد المنتجات الغذائية من مستعمراتها كمواد خام رخيص، ومن ثم تصنيعها كمنتجات مختلفة تناسب الذوق الأوروبي، بداية النهضة الصناعية الأوروبية التي تطورت، معتمدة على المواد الخام المستوردة من المستعمرات بأسعار زهيدة، أو تلك المصنعة فيها باستثمار أجنبي، وما زالت تلك السياسة قائمة طالما الدول النامية لم تطور قدراتها الصناعية وإمكاناتها، ولم تستثمر في منتجاتها المحلية لصالحها.
بفضل من الله ثم بجهود عظيمة وتضحيات وبطولات يوثقها تاريخ المملكة لقادته ورجالاته، لم تخضع السعودية للاستعمار الأجنبي في تاريخها، وكان لذلك إيجابياته الكثيرة في تعزيز الالتفاف وتقوية اللُحمة الوطنية، علاوة على التمكن من الاحتفاظ برصيدنا الوطني لمدخراتنا وحماية مواردنا المحلية على اختلافها، والذي يجعلها تشكل عمقًا إستراتيجيًا لأمننا الاقتصادي ولدخلنا الوطني بمختلف مصادره ومقدراته الموجودة.
وعليه فإن الاستثمار المأمول في تلك المقدرات بأن يكون بأيد وطنية لتوطين التقنية وسُبلها، وبالاستفادة من كفاءات متطورة لإنتاج منافس، وذلك يقتضي تنويع الاستثمار المحلي والأجنبي، والذي يعتبر أحد أهداف إستراتيجياتنا في رؤية 2030 بهدف الاستفادة من مواردنا وتنويع مصادر دخلنا الوطني وقاعدتنا الاقتصادية الثرية بتنوع ثرواتها.
التوسع في إنشاء جمعيات تعاونية ومؤسسات وطنية وشركات تخدم مصالح المجتمع المدني، يصب في صالح التنمية المستدامة لموارد الوطن وللمواطنين المستثمرين في تلك الموارد، وذلك يتطلب استيفاؤها لمتطلبات الصحة والسلامة عند ترخيصها، ولمعايير الجودة في جميع العمليات التي تحتاجها تلك المنتجات من الإنتاج إلى التسويق، ويقتضي أن تكون تحت مظلة رسمية تدعمها بما يناسب نوع الاستثمار وحجمه، بهدف حمايته وتقنينه وتيسير توزيعه، وتطوير سبل الاستثمار فيه بما يخدم المصلحة الوطنية وتطلعاتنا التنموية، وبما يسهم في تعزيز مشاركتنا ونشر ثقافتنا الاجتماعية في المجتمع الدولي.