ألقت أزمة تواجد شبكة سراج الدين حقاني المرتبطة مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان على الأراضي الباكستانية، بظِلالها على العلاقات الاستراتيجية بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية. إذ تصر واشنطن على ضرورة أن تفتح إسلام أباد جبهة جديدة ضد محاربة الشبكة في وزيرستان الشمالية، بينما ترفض باكستان ذلك على اعتبار أن الشبكة ومقاتليها تركوا وزيرستان واستقروا في أفغانستان وينشطون من على أراضيها. وتعتقد واشنطن أن السبب وراء الرفض الباكستاني اتخاذ إجراءات ضد شبكة حقاني يعود لنشاطاتها ضد مصالح وقوات الأمن الهندية المتزايدة في أفغانستان.
ونتج عن ذلك، أن زار الرئيس الأفغاني حامد قرضاي الهند في الرابع من أكتوبر الجاري ووقع مع نيودلهي اتفاقية أمنية نصت على تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب، وافقت الهند بموجبها على تدريب الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الأفغانية.
ورحبت واشنطن بالاتفاقية الأفغانية - الهندية واعتبرتها تطورا استراتيجيا جديدا، بينما فسرتها باكستان على أنها تكتل ثلاثي أميركي- هندي- أفغاني موجه ضد مصالحها الوطنية العليا، فيما اعتبرته الصين موجها ضدها بالدرجة الأولى ولذلك أعربت عن قلقها، مبدية دعم باكستان سياسيا و اقتصاديا وعسكريا.
حرب كلامية
وكانت الأزمة بين واشنطن وإسلام أباد بسبب تواجد شبكة سراج الدين حقاني في وزيرستان الشمالية الباكستانية، ألقت بظِلالها على العلاقات الاستراتيجية بين إسلام أباد وواشنطن، وما زالت سببا في الملاسنة والحرب الكلامية والنفسية بين حكومتي البلدين.
إذ تصر واشنطن على ضرورة أن تفتح باكستان جبهة جديدة ضد الشبكة في وزيرستان الشمالية، بينما ترفض باكستان ذلك على اعتبار أن الحركة تنشط في الأراضي الأفغانية وأنها ومقاتليها تركوا وزيرستان وأستقروا في أفغانستان.
وكان القلق الباكستاني واضحا من خلال استدعاء رئيس أركان الجيش الجنرال أشفاق كياني، السفير الأفغاني بإسلام أباد، عمر خان داود زي. ليعرب له عن قلق باكستان من تلك الاتفاقية لأنها تسعى لعزل باكستان وفرض حصار عليها ومنعها من القيام بأي دور في أفغانستان.
ويرى المراقبون أن تلك الاتفاقية أنهت أي أمل في حل الأزمة بين باكستان وأميركا لأنه بات في حكم اليقين أن واشنطن وكابول تستخدمان الورقة الهندية بصورة رسمية ومتعمدة ضد باكستان سواء وافقت على اتخاذ إجراءات ضد شبكة حقاني أم لم توافق.
وبطبيعة الحال فإن باكستان ستستخدم بقوة الورقة الإيرانية كرد فعل على الورقة الهندية كما أنها ستتقرب أكثر للصين الشعبية وروسيا الاتحادية وجمهوريات آسيا الوسطى وستحاول الانضمام رسمياً لمنظمة شنغهاي للتعاون.
ولاشك أن التحالف الثلاثي موجه بالدرجة الأولى ضد الصين التي أعلنت هي الأخرى عن قلقها. لذلك فإن بكين ستدعم باكستان سياسيا واقتصاديا وعسكريا في أخطر أزمة تواجه باكستان منذ تأسيسها عام 1947.
طالبان باكستان
أصدرت حركة طالبان باكستان بيانا غير مسبوق أكدت فيه أن شبكة حقاني متواجدة في أفغانستان وتقاتل القوات الأميركية و الأطلسية من الأراضي الأفغانية. كما نفى زعيم الشبكة جلال الدين حقاني أية علاقة للشبكة مع المخابرات العسكرية الباكستانية (أس.آي.أس)، مؤكدا أن الحركة تدين بالولاء المطلق لزعيم طالبان أفغانستان الملا محمد عمر وتقاتل تحت قيادته.
وبناءً على ذلك نقلت باكستان المعركة للمعسكر الأميركي عندما كشفت أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية الـ"سي أي إيه" هي التي شكلت شبكة حقاني وتمدها بالمال والسلاح. ونظرا لقوة حجة باكستان اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأن إدارة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريجان هي التي أوجدت شبكة حقاني عام 1980 ونفت دعمها من الإدارة الأميركية الحالية، داعيةً باكستان مرة أخرى لفتح جبهة ضد الشبكة من أجل حل الأزمة في العلاقات الثنائية.
حقاني والقاعدة
يمكن القول إن السبب الرئيس وراء تركيز الولايات المتحدة على شبكة حقاني يعود لارتباطاتها الوثيقة بتنظيم القاعدة وبحركة طالبان.
مؤسس الشبكة ورئيسها جلال الدين حقاني، الذي يعد من أمراء الحرب الأفغان ومن العناصر التي استخدمتها (سي. آي. أيه) والمخابرات الباكستانية (أس.آي.أس) في حرب الجهاد الأفغاني الأول ( 1979-1989) ضد قوات الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.
ويترأس جلال حقاني أيضا مجموعة مجاهدين تحت اسم (الحزب الإسلامي الأفغاني). ونظرا لمرضه وكبر سنه فقد تخلى عن رئاسة الشبكة والحزب لصالح نجله سراج حقاني .
في البداية لم تكن الولايات المتحدة تهتم كثيرا بشبكة حقاني على اعتبار أنها فقدت فعاليتها ونشاطاتها المعروفة بفعل مرض جلال حقاني. ولكن الأحداث أثبتت خطأ التقديرات الأميركية لاسيما بعد أن استلم سراج حقاني قيادة الشبكة وتمكن بفعل تحالفه مع طالبان والقاعدة من إعادة تنظيم عناصرالشبكة وتدريبهم وتجنيد متطوعين جدد من باكستان.
وتتهم الإدارة الأميركية المخابرات الخارجية الباكستانية بأنها وراء إعادة تنظيم الشبكة وتدريب عناصرها في مخيمات خاصة في منطقة (خيبر بختونخواه) وإرسالهم إلى وزيرستان الشمالية.
ومما زاد الشبكة قوة هو تحالفها مع طالبان حيث إن سراج حقاني أحد أعضاء (مجلس شورى كويتا)، الذي يرسم استراتيجية القتال ضد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان.
كما يعتقد أن الشبكة توفرالحماية لقيادات القاعدة في (ميران شاه) و(مير علي) في وزيرستان الشمالية.
قوة حقاني
تطورت شبكة حقاني تدريجيا لتكون قوة عسكرية تشكل خطرا على القوات الأميركية في أفغانستان لدرجة أن الإدارة الأميركية وضعت جائزة نقدية قدرها 5 ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال سراج الدين حقاني حيا أو ميتا.
ونشرت "سي آي أيه" شبكة من الجواسيس في وزيرستان الشمالية بهدف رصد تحركات سراج حقاني ومعرفة الأماكن التي يرتادها. وتوصلت لمعلومات بأن عناصر من الشبكة تقيم في أحد المنازل في قرية (دته خيل) في وزيرستان الشمالية، وقصفت طائرات أميركية بدون طيار المنزل بـ19 صاروخا في الثاني من فبراير 2010، وقتلت 31 مدنينا لم يكن سراج حقاني بينهم.
وفي 18 فبراير 2010 قصفت طائرات أميركية بدون طيار مخبأ سراج حقاني في قرية (داندي دربا خيل) وزيرستان الشمالية و قتلت شقيقه الأصغر محمد حقاني.
تعتقد الولايات المتحدة أن السبب وراء رفض المؤسسة العسكرية الباكستانية اتخاذ إجراءات ضد شبكة حقاني إنما يعود لنشاطاته ضد مصالح القوات الأمنية الهندية المتزايدة في أفغانستان.
واعترف سراج حقاني أنه كان وراء عملية الهجوم الانتحاري على فندق سيرينا في العاصمة الأفغانية كابول 14 يناير 2008 الذي أدى إلى مقتل 6 أشخاص بينهم مواطن أميركي.
مناطق العمليات
تنشط شبكة حقاني في العاصمة الأفغانية كابول ووزيرستان الشمالية وبقية مناطق الحدود الباكستانية-الأفغانية (فاتا). أما منطقة العمليات العسكرية فإنها تتركز على الأقسام الشرقية من أفغانستان لاسيما بكتيا، بكتيكا، غزني، وردك وخوست.
ويتهم جلال حقاني بأنه حاول اغتيال الرئيس الأفغاني حامد قرضاي في 27 أبريل 2008 وأنه وراء الهجوم الانتحاري على السفارة الهندية بكابول في 7 يوليو من نفس العام.
واتهمت الولايات المتحدة رسميا شبكة حقاني بأنها وراء الهجوم الانتحاري على السفارة الأميركية في كابول 13 سبتمبر 2011 الذي أدى إلى مقتل 16 بينهم 5 جنود أفغان و11 مدنيا بينهم 6 أطفال. كما قال ناطق باسم حلف شمالي الأطلسي إن الهجوم تم بالتنسيق بين شبكة حقاني والمخابرات الباكستانية.
وأيضا حملتها المسؤولية عن مقتل زعيم أفغانستان السابق برهان الدين رباني في هجوم انتحاري في 2 أكتوبر الجاري، لكن باكستان نفت ذلك بشدة وذكر بيان رسمي أن أمراء الحرب الذين يرتبطون بعلاقات خاصة مع (سي أي أيه) هم وراء عملية الاغتيال.
يتعاون سراج حقاني مع طالبان أفغانستان بقيادة الملا محمد عمر ولكنه لا يخضع له. فهو يتمتع باستقلال تام في الأقسام الشرقية من أفغانستان.
الهجوم ضد "سي أي أيه"
خطط سراج حقاني لعملية انتحارية ضد مركز للمخابرات الأميركية في إقليم خوست الأفغاني في 30 ديسمبر 2009 قتل فيها 7 أميركيين بينهم رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية. وأعلنت طالبان أن الانتحاري الذي نفذ العملية، أبو دجانة الخراساني، بينما تقول المصادر الأميركية إن الانتحاري كان العميل المزدوج الأردني، خليل أبو الملال البلاوي، الذي جندته المخابرات الأردنية لتحديد محل تواجد أيمن الظواهري وقتله.
وجاءت عملية خوست انتقاما لمقتل رئيس طالبان باكستان بيت الله محسود في الخامس من أغسطس 2009 عن طريق طائرات أميركية بدون طيار، وكانت العملية عبارة عن تحدٍ علني لقدرات وكالة المخابرات الأميركية.
وأدى هذا الأمر إلى توتر كبير في العلاقات بين المخابرات الأميركية والباكستانية على اعتبار أن الجهاز الأخير له علاقات وثيقة بشبكة حقاني وأنه ساهم بصورة أو بأخرى في تمكين الشبكة من القيام بالعملية في خوست.
وعلى أثر ذلك بدأت التسريبات الأميركية تظهر بصورة كبيرة حول تورط المخابرات الباكستانية بتصدير الإرهاب والقيام بلعبة مزدوجة مع القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي في أفغانستان.
وعلى الرغم من أن المخابرات الأميركية لم تذكرأسماء الذين قتلوا في خوست طبقا لأنظمتها، إلا أن الثابت أنها خسرت شخصيات هامة جدا وقررت الانتقام من شبكة حقاني، فكثفت حملاتها الصاروخية على معقل سراج حقاني في وزيرستان الشمالية. ولكنها لم تتمكن من القضاء عليه. وعندئذ تحولت الضغوط على رئيس الجيش الباكستاني الجنرال أشفاق كياني ليقوم بحملة على معقل سراج حقاني في وزيرستان الشمالية بهدف القضاء على الشبكة ورئيسها.
وفي نفس الوقت بدأت المخابرات الأميركية باستخدام الأموال لتجنيد المزيد من الجواسيس من قبيلتي وزير ومحسود لتتبع تحركات قيادات شبكة حقاني من أجل تصفيتها.
وهذا التوجه يمثل خطرا يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات كبيرة على الوضع الأمني والعسكري في جنوب آسيا لاسيما أن الجيش الباكستاني مشغول حاليا في عمليات إغاثة المنكوبين من الفيضانات ومحاربة الميليشيات الأفغانية المتسللة وإطلاقها النار بصورة عشوائية ضد الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.
نتائج عملية خوست
• زيادة عمليات القصف الصاروخي الأميركي على وزيرستان الشمالية والتهديد بالتوسع في قصف كويتا عاصمة بلوشستان.
• اتهام المخابرات الباكستانية بالقيام بلعبة مزدوجة مع أميركا و قوات التحالف.
• اتهام باكستان بمعرفة محل تواجد قيادات القاعدة بما في ذلك رئيسها أيمن الظواهري.
• التهديد بدخول القوات الأميركية داخل الأراضي الباكستانية لاسيما في وزيرستان الشمالية لتصفية شبكة حقاني إذا رفض الجنرال أشفاق كياني القيام بحملة عسكرية ضد الشبكة هناك.
• التوجه الأميركي العلني والمتعمد للهند والتعاون الاستخباراتي معها في أفغانستان نكاية في باكستان.