طبعًا أطلقت صفارات الإنذار وقبضت عليه الشرطة خلال دقائق، وعندما واجهوه بتسجيل الكاميرات أظهر دهشته واستغرابه، وكيف أن عصير الليمون لم يعمل، واعتقد أن الكمية المستخدمة لم تكن كافية، هذه الحادثة جعلت طبيب علم النفس ديفيد دانينغ وتلميذه جاستن كروجر يعملان دراسة لإيجاد العلاقة بين الكفاءة والثقة بالنفس للناس العاديين، وكان ملخص الدراسة أن الأشخاص الذين يعرفون القليل في موضوع ما يعتقدون أنهم خبراء في هذا المجال، وأطلق على هذه الدراسة (تأثير دانينغ كروجر).
الشخص الذي يعتقد دائمًا أنه على حق وأنه لا يخطئ ولا يأخذ بالرأي والمشورة، هو شخص غير ناضج، بل ويمكن أنه لايزال يدور في فلك الجهل وعدم المعرفة، وفي المقابل فإن الشخص العالم والمتمكن، والذي يقلل من نفسه لأنه يري أنه يجب أن يكون عارفًا بكل شيء هو أمر غير محمود أيضًا، فالمعرفة لا حدود لها.
كتب الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (مشكلة العالم هي أن الأغبياء واثقون والأذكياء ممتلئون بالشك)، ويقول تشارلز داروين (إن الجهل في كثير من الأحيان يولد الثقة أكثر من المعرفة)، ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن الأشخاص الأكفاء هم الأكثر عرضة للتقليل من شأن قدراتهم، بينما الأقل معرفة يبالغون في تقدير قدراتهم ومعرفتهم، وهذا يعرف علميًا بـ(التفوق الوهمي)، والتفوق الوهمي هو العلاقة بين الكفاءة والثقة، وأنه كلما قلت كفاءة الشخص زادت ثقته في أنه مؤهل بالفعل، وهو انعكاس لمفهوم تأثير دانينغ كروجر، والذي يبرز أن جهل معظم الناس وعدم إدراكهم لأخطائهم سببه نقص المعرفة أو عدم اكتمالها، بينما نجد الأشخاص الأكفأ هم أكثر وعيًا بما حولهم، وتكمن مشكلتهم الأساسية عندما يواجهون الأشخاص الأقل كفاءة، والذين لن يتراجعوا عن آرائهم حتى ولو كانت خاطئة.
إن عدم الكفاءة يؤدي إلى ثلاثة أمور كارثية، فالأشخاص غير الأكفاء لا يؤدون عملهم بالسرعة المطلوبة، ولا يدركون افتقارهم للكفاءة، ولا يعترفون بتفوق وكفاءة الآخرين، إن الأشخاص الذين يعانون من تأثير دانينغ كروجر لا يتعلمون من الدروس ومن التغذية الراجعة، ولا يطورون مهاراتهم، بل إنه أثناء إجراء الدراسة نفسها قام هؤلاء الأشخاص بالتشكيك في نتائج دانينغ كروجر، وأنها غير صحيحة.
وفي عام 2020 أظهرت دراسة أخرى أن الشخصيات من العائلات المترفة ومشاهير السوشيال ميديا لديهم ثقة مفرطة؛ ولهذا تجدهم يتكلمون في كل الأمور ويدعون المعرفة بكل القضايا، وحقيقة فهم أكثر الفئات المصابة بـ(التفوق الوهمي)، وأخيرًا لا شك أن الجهل والحماقة وقلة الكفاءة ستظل تشكل تهديدًا للعلم والمعرفة، بل وتهديدًا لتطور المجتمعات وتقدمها.