مع تأكيد عدد من الدراسات الحديثة أن نحو 60% من الحوادث التي يسببها أو يكون الأطفال طرفا فيها تقع في المنزل وليس خارجه، ارتفعت كثير من الأصوات لتتحدث عن أن الأمر لا يعود فقط إلى «شقاوة» الأطفال، وهو أمر دارج ومعروف ومنتشر بكثرة، وإنما كذلك إلى إهمال الكبار، وعدم رقابتهم لصغارهم، أو إهمالهم وعدم تجنبهم وضع هؤلاء الصغار في أماكن تشكل خطرا عليهم بحكم فضولهم وحبهم لاكتشاف كل ما يحيط بهم. وكثرت في الآونة الأخيرة حوادث الصغار، وإن كانت لا تزال تدور في فلك بعض الحوادث مثل الحرائق والاختناق والتسمم والغرق والانزلاق والسقوط والصعق الكهربائي، وهي حوادث تتسبب في وفيات كثيرة، وإصابات وعاهات بالغة ومستديمة وغيرها من النتائج العرضية. إهمال بشري يعيد الدكتور عيسى الدوسري، عضو هيئة التدريس في كلية التربية، عميد شؤون المكتبات بجامعة الأمير سطام في الخرج تعرض كثير من الأطفال لعدد من الحوادث إلى الإهمال، سواء كانت تلك الحوادث قد وقعت في المنزل أو حتى في المدرسة، وهي حوادث لا تخلو من الخطورة ومنها خطر الأدوات الكهربائية والحادة أو التسمم الناجم عن شرب الأدوية غير المخصصة للأطفال وخطر الغاز والحريق والغرق وابتلاع القطع المعدنية. وقال الدوسري لـ«الوطن» «تسعى الجهات الحكومية ذات العلاقة ممثلة بوزارة الصحة والدفاع المدني إلى توعية الناس بالمخاطر عبر عدد من الحملات التي تطلق على مدار كل عام، وعلى الرغم من أن المنزل يعد البيئة الأكثر أمانا للطفل، إلا أنه في حال قلة انتباه الأهل أو إهمالهم لطفلهم، يشكل خطرا كبيرا عليهم، وتزيد تلك المخاطر بازدياد قدرة الطفل على الحركة، والمسؤولية الأولى هنا تقع على عاتق الأبوين في توعية الطفل مبكرا بالمخاطر حوله، وبطريقة تتناسب مع استيعابه، مع عدم جواز ترك الطفل بمفرده في أي ركن من أركان المنزل إلا بوجود شخص واع معه». الأكثر شيوعا واصل الدكتور الدوسري «من أكثر حوادث الأطفال شيوعا، حادثة الصعق بالكهرباء التي لا بد من التعامل معها بحذر شديد، وعدم ترك الأطفال يعبثون بالأجهزة، ومآخذ الكهرباء، وأسلاك التيار، مع توعيتهم المستمرة بمخاطرها، كما يمكن تدارك ذلك من خلال رفع التوصيلات الكهربائية والأجهزة عن متناول الأطفال قدر الإمكان، وتعويد الأبناء على التعامل الأمثل مع الأجهزة الكهربائية، واتباع إرشادات السلامة الخاصة بها». وأضاف «تعد الأدوات الحادة في المطبخ من الأمور الخطيرة التي يمكن أن تؤدي إلى حوادث وإصابات خطيرة عند سوء تعامل الأطفال معها، حيث يمكننا أن نتدارك الأمر من خلال حفظها في مكان آمن بعيدا عن متناول الصغار، مع تعليمهم طريقة استخدام تلك الأدوات بطريقة سليمة، واستخدام آلات غير حادة في تناولهم لطعامهم، مع الاحتفاظ بالأدوات المدرسية الحادة مثل الأدوات الهندسية داخل الحقائب الدراسية وفي الأماكن المخصصة لها». حوادث الصيف أضاف الدكتور الدوسري «يشكل الغرق في أحواض السباحة نسبة كبيرة من الحوادث التي يتعرض لها الأطفال أثناء اللعب في الماء خلال فصل الصيف عندما لا يخضعون إلى مراقبة، لذلك ينبغي عدم تركهم في هذه الأماكن وحدهم، ووضع سياج حول برك السباحة المنزلية، كما يجب تعليم الأطفال على السباحة والبدء بإعطائهم دروس سباحة من عمر 4 سنوات». وتابع «كما تعد حوادث الحروق على الأخص بالسوائل الساخنة ووسائل التدفئة خلال الشتاء من الأمور الشائعة عند الصغار، لذا يجب الوقاية منها من خلال تركيب أجهزة إنذار من الحريق في البيوت، ووضع خطة للهرب وإخلاء المنزل فور وقع حريق والتدرب عليها». الضمانة الأولى ختم الدكتور الدوسري «تبدو مسؤولية توعية الأطفال بالمخاطر مشتركة بين المنزل والمدرسة، من خلال تثقيفهم وتزويدهم بما يلزم من معلومات مما يساهم في تحسين مهاراتهم حيال الحوادث التي تتربصهم». المسؤولية مشتركة يعتقد حسين بن ناصر آل هتيلة أحد منسوبي الموارد البشرية في نجران، والمدرب المعتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والحاصل على شهادة دولية في تدريب الأعمال أن حوادث الأطفال تعود إلى كلا الأمرين «الشقاوة وإهمال الأسر»، وقال «المسؤولية مشتركة، فالطفل بطبيعته يتصف بالشقاوة، وهذا شيء ملازم لمعظم الأطفال حيث يحبون اللعب والاسكتشاف دون قيود، وحين يجتمع ذلك مع عدم إلمام كثير من الآباء والأمهات بما يكفي من الوعي والانتباه لكيفية تجنيب الصغار إمكانية التعرض للحوادث خلال شقاوتهم هنا تصبح احتمالية وقوع الحوادث كبيرة». وألقى آل هتيلة باللوم الأكبر على عاتق أولياء الأمور، وقال «نلاحظ أن هنالك إهمالا كبيرا من أولياء الأمور داخل المنزل، فكثير من المنازل تترك أسلاك الكهرباء فيها مكشوفة، وحين يهطل المطر مثلا تزداد إمكانية حدوث التماسات كهربائية، ويشكل اقتراب الصغار منها خطرا داهما وقويا». غياب دور المدارس أضاف آل هتيلة «للأسف لا تلعب مدارسنا أي دور توعوي في جوانب الحوادث التي يتعرض لها الأطفال، على الرغم من أن المدرسة تعد جزءا من المسؤولية في هذا الأمر جنبا إلى جنب مع أولياء الأمور والأطفال، حيث يجب أن تكون هناك حصص توعوية للأطفال من سن مبكرة، والعلاقة بين البيت والمدرسة لا تنحصر فقط في التحصيل العلمي، بل وكذلك في تكامل التوعية، كما يجب أن تتوافق تلك التوعية مع الأحداث والمستجدات مثل هطول الأمطار وجريان السيول، حيث يجب تعليم الصغار وتحذيرهم عند الخروج من المدرسة، وما قد يصادفونه في الشوارع». دورات تعليمية اقترح آل هتيلة وعبر منبر «الوطن» إقامة ورش عمل ودورات للتثقيف بمخاطر حوادث الأطفال، مع التركيز على الصغار وعلى أهلهم كذلك، وتوعيتهم بالسلوكيات والظروف التي تصادفهم، وكيفية تجنب تلك المخاطر والتعامل معها والتمسك بمبادئ السلامة. وتابع «لاحظت عدم إقامة أنشطة صيفية كما كان الحال في السابق، حيث كانت تقام أنشطة عدة تتضمن كثيرا من الفعاليات التوعوية والترفيهية، والتي من خلالها يتعلم الصغار كثيرا من الأمور التي تفيدهم خلال مراحلهم العمرية». كثرة ملحوظة يشدد المستشار القانوني مانع مصلح آل غفينة على أن حوادث الأطفال كثرت بشكل كبير جدا في الآونة الأخيرة، وقال «لو اطلعنا على الإحصائيات عبر المنظمات الصحية والهلال الأحمر في كل منطقة، أو كل دولة من الدول، لوجدنا أرقاما مذهلة لحوادث الصغار، وما تتناقله بعض وسائل التواصل ما هو إلا نزر يسير جدا من تلك الحوادث». ويضيف «حوادث الأطفال بمختلف أنواعها مسؤولية مشتركة، ولكن الجزء الأكبر منها يقع على عاتق الكبار لإهمالهم أطفالهم والانشغال عنهم سواء بالجوال أو غيره، وكذلك لعدم توعيتهم أطفالهم بالمخاطر التي قد تواجههم، أو تعترضهم، وعدم تعليمهم كيف يتعاملون معها عند حدوثها، فالطفل مهما كان ذكاؤه ينقصه الإدراك، ويفتقد حتما لتقدير العواقب الوخيمة لتلك الحوادث». |