لا تخلو المجالس واللقاءات الأسرية من الحديث عن المشكلات التي تواجههم فيما يتعلق بالعمالة المنزلية، فبينما يتحدث البعض عن غلاء تكاليف الاستقدام، يعاني غيرهم من تأخير المكاتب في إحضار العمالة، فيما يشكو آخرون من هروب العاملات بعد أن أنفقوا مبالغ كبيرة في استقدامهن، إلى غير ذلك من أنواع المعاناة.

وقد اعتادت الأسرة السعودية على استقدام معظم العمالة من دول معينة، لكن مشكلات كثيرة أدت وما زالت تؤدي إلى تعليق الاستقدام من تلك الدول، وهو ما يتسبب في ضياع حقوق كثير من المواطنين الذين يدفعون تكاليف استقدام العاملات، دون أن تقوم المكاتب بإعادة تلك الرسوم إلا بعد مماطلات كثيرة.

ومع تعدد مشكلات العمالة المنزلية بالوضع الحالي إلا أن الهروب ورفض العمل تبقى أكبر تلك المشكلات وأكثرها تأثيرا، حيث إن العاملة بهروبها تضيع على كفيلها مبالغ طائلة تكبدها في سبيل استقدامها، إضافة إلى مشقة البحث عنها، كما يضعه ذلك الهروب في موقف قانوني حرج، لا سيما إذا قامت تلك العاملة بارتكاب أي مخالفة للنظام أو جرم معين.


كما عانت الأسر من التصرفات السالبة لبعض العاملات وتضررت من تجاوزاتها، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل القاسي مع الأطفال أو كبار السن الذي وصل في كثير من الحالات إلى الاعتداء بالضرب، مثلما طالعنا في الصحف ووسائل الإعلام، أو عدم تنفيذ واجباتهم الملقاة على عاتقهم، أو كثرة الخروج لزيارة أقاربهم، كما أن كثيرا من العاملات أقدمن على ارتكاب جرائم مثل السرقة أو السحر وخلاف ذلك.

من ناحية أخرى، علينا أن نواجه أنفسنا ونكاشفها ببعض الأسئلة، فهل نحن على حق دائمًا وهن مخطئات؟ وما هو السبب الذي يدفع العاملات إلى الهرب أو عدم الرغبة بتأدية أعمالهن أو التصرف بسلوك عدواني تجاه الأسرة؟ فهن دون شك لم يتكبدن عناء السفر والقدوم إلا رغبة في العمل وتحقيق العائد المادي.

في الحقيقة نجد أن بعض تلك العاملات قد تعرضن إلى معاناة متعددة، مثل سوء المعاملة من مخدوميهن، أو عدم استلام رواتبهن بانتظام، والصعوبة التي تواجههن عند الرغبة في تحويل أموال إلى ذويهن، أو طول ساعات العمل، أو عدم توفير مكان لائق لهن، إضافة إلى تعرض بعضهن للاعتداء اللفظي أو الجسدي، فأصبحت تلك العاملة بين مطرقة الفقر وسندان سوء المعاملة.

نعم نحن شعب يتمتع بأخلاق كريمة، لكننا قطعا لسنا ملائكة ويوجد بيننا من يحدث منه تجاوزات مثلنا مثل المجتمعات البشرية كافة، وللأسف فإن التصرفات المشينة التي ترتكبها الأقلية منا تلقي بظلالها على المجتمع وتشوه صورته وتضعه في موضع الاتهام.

والمتأمل لكيفية استقدام العمالة المنزلية في الدول المجاورة يجد أنها تجاوزت هذه الإشكاليات، فالاستقدام لا يقوم به أفراد، بل تتولى أمره شركات متخصصة، وهذه الشركات تضمن الحقوق للأطراف كافة، سواء لطالب الاستقدام أو طالب العمل، كما تصنف العاملات إلى فئات بحسب الخبرة ومستوى التعليم، وبناء على ذلك تتفاوت رواتبهن، بحيث تكون رواتبهن معقولة وغير مرهقة ماديا للأسرة، ومن يرغب في الاستعانة بعاملة منزلية فإنه يتعامل مباشرة مع المكتب وفق عقد عمل محدد الشروط، دون حاجة لنقل كفالة العاملة عليه، حتى الراتب الشهري يتم تسديده للمكتب وهو الذي يسلمه للعاملة، وإذا اختلف صاحب المنزل مع العاملة أو لم يكن راضيا عن أدائها فإنه يرجعها ببساطة والتعاقد مع أخرى، وتلك الطريقة تختصر الزمن وتوفر التكاليف.