المؤمن الفطِن لا يعطي عموم الناس حقًا يفوق منطق العقل ، أو ينحرف عن ميزان الخُلُق ؛ فما أكثر من يجهل موازين العقل أو ينحرف عن معيار الخُلُق ، ويأخذ الفضائل من ينابيعها الأصلية الثابتة في آداب الإسلام ومصادره ، ويبني سلوكه وحاضره ومستقبله عليها غيرَ مبالٍ بمن ينكر عليه أو يهجوه ، وغيرَ مكترث برضا أحد أو غضبه ، متمثلا قول الشاعر :
ما يضيرُ البحرَ أمسى زاخرًا
إن رمى فيهِ غلامٌ بحجرْ
إن الفرح الزائد بمدح الآخرين لك والانزعاج المفرط بقدحهم فيك ، ما هما إلا انشغال بتعليقات عابرة ممن ينشغل بشؤون غيره للحظات عابرة ، وعند التحقيق تجد معظم هذه التعليقات لا وزن لها ، أو مدخولة الدوافع ، وتكون الحصيلةُ أوهامًا تأخذ إتقانك من عملك وراحتك من ليلك ؛ لأنها تُشوّشُ على عقلك وتنال من عزيمتك ، وتُوهِنُ من وسائلك ، وتُقعدك عن أهدافك.
ومع نفسه فالمؤمن الفطِن يحاسبها أشدَّ من حساب البخيل لشريكه ، يعرضُ يومه على أمسه ، ولا يكتفي بنظرة خاطفة لبعض أعماله البارزة ، بل يرصدُ منازل ارتفاعه ومواطن انخفاضه في كل شيء ، ونصيبَه من الربح والخسارة ، فيكون على بصيرة بمقدار ما يفعل من خطأ أو صواب.
إن الحساب الدقيق الذي لا يترك كبيرة ولا يتسامح مع صغيرة ، والرقابة اليقظة التي تعتمد على الأرقام والبيانات ، يرتقيان بصاحبهما على سلم الكمال في بناء نفسه والتخطيط لحاضره ومستقبله ، وفي الأثر : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".
يجب أن تكون شاعرًا بقوة ما بداخلك وروعة الإيمان به، فإن لم تستطع فرضه على ما حولك ، ستبقى راسخًا لا يستعبدك عُرف غالب ولا تقاليد سائدة ، ربما جرّت عليك آلام الحاضر وهموم المستقبل.
وأقوى ما يحفظ عليك ثقة النفس ، ويمنحك ثبات الخطو ، ويديم عليك رسوخ العلم ، هو الإيمان بالله وتوحيده وإفراده بالسؤال والاستعانة ، لأنه يعطيك العزم الذي لا يخور ، وتجارته لن تبور ، ويجعلك ترفض الهوان لنفسك ؛ لأنك تعيش على الأرض رفيعَ القدر بانتسابك إلى السماء.