بقيت اثنينية عبد المقصود خوجة، التي كان يقيمها في منزله، تجمع بين النخب وعامة الناس، من مثقفين ومفكرين وأدباء، وأيضا رجال الأعمال المحبين لتذوق الشعر والأدب، وأحيانا كان يزوره أدباء ومفكرون من بلدان عربية وإفريقية و إسلامية، ومع مرور الزمن أصبحت الاثنينية أشهر صالون ثقافي، بل صارت معلما مهما في جدة، بعدما انتقل إلى حي الروضة القريب من شارع الكيال، وحمل الشارع الذي يقع فيه قصر عبد المقصود خوجة اسمه، وحينما تمر في المساء، وتجد الشارع مزدحما بالسيارات على جانبي الطريق، وخاصة يوم الاثنين.
ازدحام السيارات بجانب القصر كان لافتا، فيما البعض الآخر كان يأتي ماشيا أو برفقة صديق أو زميل، تعرف أن أمسية الليلة حافلة بحضور مميز، وبالنسبة لحضوري لاثنينية خوجة كان نادرا، إنما كنت أتابع كل أخبار الاثنينية من خلال مكتبه الذي كان يرسل بأسماء الشخصيات التي سيتم تكريمها، أو التي ستحضر، ومرات كثيرة كنت التقي بالعديد من الشخصيات والمسؤولين الحكوميين، في الأمسية، حيث يحرص بعض الوزراء والمسؤولين على حضور الأمسية والمشاركة فيها، يمكن أن نطلق على الصالون الثقافي أنه مهرجان ثقافي أسبوعي لتنوع الحضور، والشخصيات ما بين رجال ونساء، وأحيانا يمضي الحضور في مشاهدة القصر والتجول داخله، فاثنينية عبد المقصود خوجة، وحفلات التكريم التي كان يقيمها كل اثنين، كانت تعادل في مقامها جوائز منظمات وهيئات عالمية، وأيضا لفخامة المكان والحاضرين.
أغدق الراحل عبد المقصود خوجة بسخاء على الأمسيات، واستضافة الضيوف سواء من داخل السعودية أو من خارجها، وكان يطبع على نفقته كل فعاليات الاثنينية، وكانت مجلدات فخمة وتوزع لكل من يطلب منه.
«اثنينية» عبد المقصود خوجة بلغ صداها خارج السعودية، نتيجة حضور الكثير من الأدباء والمثقفين والشعراء في بلدان عربية وإسلامية.
في منتصف التسعينيات الماضية كتبت مرة في صحيفة الاقتصادية، متى تتوقف «الاثنينية»، مستدلا في إيجاد آلية وتحويلها إلى مؤسسة ثقافية، وتخرج من عباءة الأفراد إلى مسؤولية مجتمع مدني، ويكون الإنفاق على أنشطتها ضمن برامج مؤسساتية، خاصة وأن هذه الصالونات رغم أنها قامت باجتهاد أفراد محبين للأدب والشعر، فهي معرضة للتوقف في حال تعب مؤسسها، أو عدم قدرته على الصرف عليها، فاتصل بي يرحمه الله، منزعجا، وأخبرني أن «الاثنينية» لن تتوقف وسيظل يصرف عليها من ماله الخاص، لأنه يحب الأدب والأدباء، ولم يفكر يوما أنه سيتوقف عن دعم الاثنينية. وقتها شعرت بحرج شديد لأنني أزعجت صاحب أشهر صالون ثقافي، ليس في جدة فحسب بل في السعودية والوطن العربي.
والحقيقة أن السعودية كانت تشهد العديد من الصالونات الثقافية، نظرا لغياب دور العمل المنظم، فاجتهد الكثير منهم في إقامة الأمسيات والفعاليات الأدبية، من بينها، أحدية إبراهيم فودة في مكة المكرمة، و ثلوثية محمد سعيد طيب، و اثنينية عثمان الصالح في الرياض، وخميسية حمد الجاسر، والعديد منها، وجميع هذه الأمسيات ظلت قائمة، إلا أنها اختفت أو توقفت بعدما رحل أصحابها المؤسسون أو مرضوا، ولعله هنا يأتي دور وزارة الثقافة في إحياء بعض هذه الأمسيات، وتحويلها إلى مؤسسات تعيد لنا هذه المسامرات الأدبية والشعرية، وتحولها إلى نشاط ضمن مواسم الشعر والأدب والفعاليات والأنشطة الثقافية، على أن تحمل أسماء مؤسسي هذه الأمسيات، ومنها تكون رافدا للسياحة الثقافية والأدبية، وتنبع منها متاحف ومكتبات.
نسأل الله أن يتغمد الراحل عبد المقصود خوجة برحمته، ويجزيه خير الجزاء على ما قدمه خدمه للأدب والشعر والثقافة، ويرحم كل من ساهم في تنظيم أمسيات وصالونات وبقي منزله منبرا للأدب والثقافة.