لعل من أكثر الصعوبات التي نواجهها هي القدرة على التحكم بعواطفنا وهذا ما يجعل أفعالنا تتأرجح بين الفعل الجيد والسيء. والأفعال الجيدة أو السيئة ليست سوى انعكاس لردود أفعالنا تجاه ما يسمى بالعدوى العاطفية. والعدوى العاطفية هي السرعة التي يمكنك فيها التقاط مشاعر الآخرين والتماهي معها كأنها مشاعرك. وحيث إننا كبشر نتأثر بمشاعر الآخرين فإن ذلك ينعكس على أدائنا في العمل وآرائنا في مواقع التواصل وتصرفاتنا ضمن إطار المجتمع.

ولعل الشيء الجيد أنه يمكن التعلم عن كيفية تجنب مشاعر الآخرين، وذلك من خلال تحسين التحكم في مشاعرنا وعواطفنا. ولإيضاح ذلك دعونا نبدأ بالتعصب الرياضي والذي أصبح ظاهرة نشأ منها العديد من حالات الخروج عن المألوف كالشتم والسباب وانتقال هذه التصرفات إلى أروقة المحاكم.

فعندما يتعرض فريق ما لهزيمة ويظل الكادر الفني والإداري يتحكم بأعصابه وعواطفه، فنجد أن الأمور تسير بسلام دون إثارة أو مشاكل، ولكن عندما يعبر شخص واحد فقط من هذا الفريق عن عواطف سلبية، فتجد أن معظم أعضاء الفريق تتداعى قدرتهم على التحكم بمشاعرهم ويبدأون في دعم مشاعر زميلهم من خلال التذمر وعدم الرضا ومهاجمة الآخرين، وربما قدحهم بأسوأ الألفاظ.


ولدراسة هذا التصرف توضح أخصائية علم النفس جيسيكا جارز أن السبب في ذلك يعود إلى نظريتين علميتين. النظرية الأولى تسمى بالتقييم المعرفي وهو أن التعرض لمشاعر معينة هو في الواقع انعكاس لما إذا كان وضعك الحالي يتوافق مع توقعاتك، فمثلا هل كنت مهيأ وتساورك الشكوك في ظلم التحكيم وانحياز المسؤولين لفريق معين أم لا.

والنظرية الأخرى تسمى الإدراك الفسيولوجي وتعني المشاعر التي نربطها لا شعوريًا بالتغيرات الفيزيائية في أجسامنا.

فعلى سبيل المثال كتب شخص ما قبل فترة في وسائل التواصل رأيًا ما، ووجد الدعم والإشادة فتجده في المرة القادمة يبدى رأيه وهو أكثر شجاعة. ولكن لنا أن نتخيل أنه كتب رأيًا ما وتعرض للمساءلة والتحقيق فإن هذا يجعله أكثر حذرًا وخوفًا في إبداء الرأي في المرة القادمة.

وهذا ما نراه حقيقة وبكثرة في الوسط الرياضي وهو كثرة الاعتذارات العلنية بعد إبداء الرأي في منشورات سابقة. وكلتا النظريتين يتحكم فيها الجهاز الحوفي بالدماغ وبالتالي فإن عدم السيطرة على تلك المشاعر والتدرب عليها سيجعل عملية إعادة ارتكاب الأخطاء والهفوات ممكنًا.

إن الوضع المثالي هو القدرة على التحكم بالمشاعر الشخصية وعدم التأثر بمشاعر الآخرين والانفصال عنها،ويتم ذلك من خلال أسلوبين علاجيين الأسلوب الأول إعادة التقييم المعرفي، ويتم من خلال صياغة أفكارك للموقف الذي تأثرت فيه عاطفيًا وكيف ستكون النتائج في حالة التعاطي مع هذا الموضوع بحماس وتهور دون تبصر وبصيرة.

ويسمى هذا بإعادة تأطير الأفكار حول أحد الأمور العاطفية. أما الأسلوب العلاجي الآخر فهو استراتيجية القبول وهو تقبل اللحظة على حقيقتها وليس كما يتبادر إلى ذهنك أو حسب عواطف المتعصبين والمتشنجين حولك، فقد تكون سبب خسارة الفريق أنه لم يلعب جيدًا أو الفريق الخصم كان أفضل فنيًا.

والقبول لا يعني بالضرورة الموافقة على الوضع الراهن ولكنه يعني التعاطي مع الأمور بهدوء وعقلانية.