ولقد انتهى العسر بالصحاب الكرام، الذين يسروا ببذل النفس و النفيس، لا يخافون الموت، ولا يبخلون بالمال، فالإقدام على الموت، والإحجام عن كنز المال بعد الإيمان عماد النصر
وكأنما تبوك اليوم بوابة الشمال على حدود المملكة. وما أشبه الليلة بالبارحة ! بالأمس كان الرومان، ومعهم أتباع من العرب، واليوم اليهود، الناس تعرفونهم، إمبراطوريات وعملاء وبنوك وخونة إلى آخر ما لديهم من قوة. كل هذا تقف تبوك مدينة اليسر اليوم تصد بما وضعته الدولة فيها من قوة، ليست قوة العسكر فقط، وإنما القوة في بناء حبال، ومعهم من
كانت تعيشه تبوك قرية لا عمران فيها، فإذا هي العمران، فإذا القبائل عنزة جهينة، بني عطية، الحويطات، شمر، بلى كلهـا عربية سعودية، الجيش في ثكناته وهذه القبائل رديف من ورائه، بالأمس كانت قبائل عربية مع الرومان، واليوم هذه القبائل مع أرضها مع دينها مع مصيرها تحت راية مليكها، حزاماً لجيشها، من هنا تحول العسر إلي مدينة كبرى، تحتضن كل وادي القرى كل الساحل الشمالي، كل أرض الأنبياء مدين، إن هذا اليسر ما هو إلا القوة لردع كل عسر. فتبوك بجيشها والقبائل حولها الردء للمواجهة، والمقدمة في المواجهة. آه.. أقولها صارخة في وجدان كل شاب من شبابنا ألا يستكين إلى البطر، الذي هو فيه ليعرف أن المصير تهدده قوى لا يردعها إلا أن يعرف الشاب، من شباب هذا الكيان الكبير في السروات والتهائم والنجود، يزكي مشاعره يعرف استعدادها، يتعلم صناعة الموت، يزرع الحقد في وجدانه على الغاصبين لأرضه، الهاتكين لعرض مسجده، السالبين لأرواح شعبه. اليسر أن نمارس بعض العسر على أنفسنا ليستديم اليسر.. ولقد جاء اليسر بعد تبوك التي كانت العسر يوم سار شباب من شبابكم بقيادة الصحابة الكرام، يحطمون إمبراطورية الروم بقوة الإيمان يصرخ شيخ قريش يفرح بأولئك الشباب، فحين رأى أبو سفيان الذي كان يستجدي الروم الحماية بالإيلاف يصرخ فاخراً حين رأى ابنه يزيد الخير وأبناء عمه والشمارغ من قومه فيقول: بخ. بخ.. فتيان قريش يقاتلون بني الأصفر، لديكم القوة تدعم بالكفاءة وليست إلا كفاءة الإيمان
قبل كفاءة السلاح، لتجعل شيخاً من أهلكم يقول:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخي * كأنهم من طول ما التثموامر ذو ثقال
إذا لاقوا خفاف إذا دعـوا * كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا
1981*
* كاتب وصحافي سعودي «1906 - 1992».