وكل خمس سنوات يعقد مؤتمر لمراجعة المعاهدة والاطلاع على مستجداتها، ونشهد هذه الأيام فعاليات المؤتمر العاشر للمعاهدة المنعقد في نيويورك ويستمر إلى نهاية الشهر.
المعاهدة ببساطة قائمة على ثلاث ركائز أساسية: منع انتشار الأسلحة النووية، ونزع السلاح النووي، والاستخدام السلمي للطاقة النووية، فالدول النووية غير مسموح لها بنقل أو بيع الأسلحة أو التكنولوجيا النووية إلى الدول غير النووية، التي بدورها يُحظر عليها السعي لامتلاك تلك الأسلحة، في مقابل أن تساعدها الدول النووية في استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وأثارت معاهدة عدم الانتشار الكثير من الجدل، في مقدمتها التمييز بين الدول، إما نووية أو غير نووية، فالمعاهدة تعترف بخمس دول نووية فقط: أمريكا، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وهي الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وأي دولة امتلكت سلاحًا نوويًا بعد 1968 لم تعترف بها المعاهدة كدولة نووية، ما حدا بدولة مثل الهند للاعتراض على تلك المعاملة «المجحفة»، وهو سبب رفضها التوقيع على المعاهدة المتحيزة، حسب وجهة نظرهم، ولم يكن الرفض نتيجة رغبتها في الحصول على القنبلة النووية.
كما أن الدول غير النووية ترى أن المعاهدة تركز وتشدد على موضوع عدم الانتشار، وتهمل الجانب المتعلق بالدول النووية، والذي ينص عليه البند السادس من المعاهدة، وهو التخلص من الأسلحة النووية. فعمليات التفتيش على الامتثال للمعاهدة تتم فقط للتأكد من عدم تحويل المسار السلمي إلى عسكري في الدول غير النووية، بينما لا يوجد مثيل لذلك لمتابعة نزع السلاح النووي من الدول النووية.
هناك بعض الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا اللتين تملكان أكثر من 90% من الأسلحة النووية في العالم لتخفيض ترسانتهما النووية، كمعاهدة ستارت الجديدة على سبيل المثال، ولكنها ليست على الوجه المطلوب، ما تعتبره الدول غير النووية إخفاقًا في الامتثال للمعاهدة والتخلص من الأسلحة النووية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المعاهدة لا تلزم الدول النووية بعدم استخدام أسلحتها النووية ضد الدول غير النووية، وإنما لكل دولة نووية عقيدتها النووية، والتي يتم تحديثها كل فترة من الزمن، معتقدةً بذلك أنها بامتلاكها للسلاح النووي تساعد في الحفاظ على السلام العالمي، بينما ترى الدول غير النووية أن السلام يتحقق بالتخلص الكامل من تلك الأسلحة.
لقد ساهمت المعاهدة، بالإضافة إلى المبادرات المعززة والداعمة لها مثل معاهدات المناطق الخالية من الأسلحة النووية، ومجموعة الموردين النوويين، وقمة الأمن النووي، في الحد من انتشار الأسلحة النووية بالفعل، وعلى تضييق الخناق على الدول التي تنوي إنتاج قنبلة نووية، ولكنها في الوقت نفسه فتحت الباب لامتلاك التقنيات اللازمة لصنعها، فالتخصيب، على سبيل المثال، لا يفرق بين الاستخدام السلمي والعسكري، بل إن الوصول لمستوى الاستخدام السلمي (%5) يعتبر أصعب مراحل تلك العملية.
وبعد امتلاك دولة ما لتلك التقنية، ستكون على مقربة من القنبلة النووية، ولا يفصلها عنها سوى قرار سياسي، وبضعة خطوات فنية، كل ذلك وهي لم تخرق المعاهدة او تَخِل بمتطلباتها، وعند تعرض أمنها القومي للخطر فبإمكانها الانسحاب من المعاهدة، وبناء ترسانتها النووية، وهذا ما فعلته كوريا الشمالية بانسحابها من المعاهدة في 2003، وربما تُعد له كثير من الدول، فهي تعتبر دول كامنة نوويًا، لديها الدورة النووية كاملة، مستغلةً معاهدة عدم الانتشار من خلال الاستخدام السلمي، ومن هذه الدول: اليابان، وألمانيا، لذلك، تسمى هذه الإستراتيجية أحيانًا بـ«خيار اليابان».
من الواضح وجود العديد من الثغرات في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فالمعاهدة لا تمنع تفجير قنبلة نووية لأغراض سلمية، كحفر الموانئ والمناجم، وقد عملت الولايات المتحدة على مشروع بلوشير من أجل تلك الأغراض، ومن ضمنها توسيع قناة بنما بتفجير نووي، وكذلك صنعت الهند في أول تجربة نووية لها حين فجرت قنبلتها النووية الأولى، المسماة بـ«بوذا المبتسم»، وصرحت بأنها قنبلة «سلمية!».
إحدى تلك الثغرات أيضًا، أن عمليات التفتيش، حسب برنامج الضمانات الملحق بالمعاهدة، تتم فقط على المنشآت المعلنة، ولسد تلك الثغرة، أُتبعت المعاهدة باتفاقية «البروتوكول الإضافي»، والتي لم توقع عليها كل الدول المنضمة للمعاهدة.
جميع الدول تدعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي عبرت، من خلال الكلمة التي ألقاها مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالعزيز الواصل، عن دعمها للمعاهدة، وسعيها لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
إن استمرار المعاهدة ضروري للأمن العالمي، ولسلامة كوكب الأرض، ويجب على جميع أطرافها التزام بما لهم وما عليهم، من دون تمييز، فخطر الحرب بالأسلحة النووية سيتجاوز ضرره الدول المتحاربة، وسيؤثر في مناطق شاسعة من الأرض، وسيتعدى إلى الأجيال القادمة، إذا بقي هناك بشر.