ويجمع ماثيو ليفيت، مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، وهارون ي. زيلين المتخصص في البحث عن الجماعات الجهادية العربية في شمال إفريقيا وسورية، على نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإلكترونية عبر الإنترنت، على أن أثر مقتل الظواهري لن يكون بنفس درجة تأثير مقتل ابن لادن على التنظيم الإرهابي.
غارة حاسمة
في 31 يوليو قتل الظواهري في غارة أمريكية بطائرة دون طيار في أفغانستان.
وتولى الظواهري، الذي شغل منصب نائب زعيم تنظيم «القاعدة» منذ فترة طويلة، وتولى قيادة التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن في عام 2011.
ولم يكن الظواهري معروفًا بخطابه الملهم أو ذكائه الإعلامي، حيث كان يفضل الأطروحات الطويلة والمملة والخطب المصورة، لكنه مع ذلك، كان مسؤولًا عن جزء كبير من الأساس الفكري للأجندة الدولية لتنظيم «القاعدة» المتمثلة في القيام بهجمات إرهابية كبيرة الحجم وتعزيز الحكم الجهادي. واليوم، تجد بعض فروع التنظيم نفسها، خاصة في الصومال ومالي، في مواقع قوة لمواصلة هذه المهمة.
وولد الظواهري لعائلة مصرية ثرية مرموقة، وعمل طبيبا في أول مراحل حياته، ثم أسس حركة «الجهاد الإسلامي» المصرية في السبعينيات، وهي جماعة إرهابية كان هدفها الإطاحة بالنظام في القاهرة.
وبحلول أواخر الثمانينيات، بدأت جماعته التي كانت تشهد تراجعًا في أعدادها، بالعمل بشكل وثيق مع تنظيم «القاعدة»، الذي كان ينفذ الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان في ذلك الوقت. وإضافة إلى ميل الظواهري للهجمات العشوائية التي قتلت المدنيين، تمثلت مساهمته الرئيسية بالتفكير الإستراتيجي الذي يقوم على استهداف «العدو البعيد» لتسهيل الإطاحة بـ«العدو القريب». بعبارة أخرى، رأى أنه من خلال مهاجمة أمريكا والجهات الفاعلة الأخرى التي دعمت ما اعتبره أنظمة موالية للغرب، وأنظمة غير إسلامية بما فيه الكفاية في العالمين العربي والإسلامي، تستطيع الحركة في نهاية المطاف أن تطيح بتلك الأنظمة «الكافرة».
جبهة عالمية
في فبراير 1998 وفيما يسمى بالفتوى تحت تسمية «الجبهة الإسلامية العالمية»، أعلن ابن لادن والظواهري أن قتل الأمريكيين هو «واجب فردي على كل مسلم يستطيع تأديته في أي بلد يكون ذلك ممكنًا فيه».
واندمجت مجموعتهما رسميًا في يونيو 2001، قبل بضعة أشهر من هجمات 11 سبتمبر.
وبعد أسابيع قليلة من تلك الهجمات، أصدر الظواهري كتابًا بعنوان «فرسان تحت راية النبي»، وهو بحث من 12 جزءًا متسلسلًا نُشر في صحيفة «الشرق الأوسط»، وقدم المقال رؤيته للجهاد على أنه صراع مستمر من أجل البقاء بين الخير والشر، يحاول فيه الغرب (بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة العربية «المرتدة») تدمير الإسلام. ويكمن الحل، كما افترض، في أن يعتنق المسلمون الجهاد المسلح ويستهدفوا أعداء الإسلام بضرباتهم. وكمثال على ذلك، استشهد بالهجوم الإرهابي الذي وقع عام 1997 في الأقصر بمصر، حيث قتلت «الجماعة الإسلامية» 62 شخصًا، معظمهم من السياح الأجانب.
تفاصيل مزعجة
وجد الظواهري نفسه يتعامل مع التفاصيل المزعجة لإدارة منظمة كبيرة بعد وفاة ابن لادن، وخاصة جمع التبرعات. وعندما بدأ تنظيم «القاعدة» يواجه مصاعب مالية في السنوات التي أعقبت 11 سبتمبر، عادة ما كان يتم إرسال الظواهري ومعه «صندوق جمع التبرعات».
في يوليو 2005 وجه الظواهري رسالة إلى أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم الجديد لتنظيم «القاعدة» في العراق، طلب بتواضع «ما يقرب من 100 ألف دولار» لأن «العديد من مصادر التمويل قد انقطعت».
وفي عام 2008، تم التداول برسالة مسجلة عبر الهواتف المحمولة في السعودية يطلب فيها الظواهري «تبرعات لمئات من أسر الأسرى والشهداء في باكستان وأفغانستان». وردًا على ذلك، أفادت بعض التقارير أن السلطات السعودية اعتقلت 56 شخصًا من أعضاء تنظيم «القاعدة» المشتبه بهم الذين كانوا يستخدمون التسجيل لجمع الأموال.
خبرة نقل
للظواهري خبرة سابقة في الحصول على الأموال ونقلها، وهذا ما كان يفعله على ما يبدو عندما اعتقلته السلطات الروسية أواخر عام 1996 أثناء محاولته دخول الشيشان، (وحيث لم يدرك الروس من هو، سرعان ما أطلقوا سراحه).
وفي العقد ذاته، أفادت بعض التقارير أنه قام بجمع الأموال من مساجد في كاليفورنيا للجمعيات الخيرية الإسلامية التي يُزعم أنها تدعم اللاجئين الأفغان.
فرصة للأهمية
قدمت الحرب الأهلية في سورية ساحة جديدة يمكن فيها للظواهري أن يظهر أهميته بعد وفاة ابن لادن.
ففي وقت مبكر من النزاع، بدا أن التدخل في الصراع يؤتي ثماره، حيث أصبحت «جبهة النصرة»، وهي الفرع السوري لـ تنظيم «القاعدة»، أقوى جماعة تابعة للتنظيم في العالم بعد رفضها لمناشدات تنظيم جهادي منافس، هو «الدولة الإسلامية» (داعش).
وحرصًا على البقاء على رأس الحركة ومنافسة تنظيم «الدولة الإسلامية»، أرسل الظواهري كبار مقاتلي «القاعدة» من أفغانستان وباكستان لإنشاء شبكة إرهابية في سورية بين عامي 2012 و2015، بهدف واضح هو تنفيذ هجمات في الخارج. وأطلق مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون على الشبكة تسمية «مجموعة خراسان»، وكشفوا في سبتمبر 2014 أنهم كانوا يتتبعون «مؤامرات وشيكة» من قبل عملاء خراسان «لشن هجمات في الولايات المتحدة أو أوروبا».
وخلال السنوات القليلة التالية، تغيرت حظوظ تنظيم «القاعدة» في سورية، حيث قتلت الغارات الجوية الأمريكية عددا من قادة الشبكة، وقلصت أعداد المحاربين القدامى في تنظيم «القاعدة» الذين كانت خبرتهم تعود إلى أفغانستان في الثمانينيات.
واليوم، لا تعمل «مجموعة خراسان» ولا خليفتها، «حراس الدين»، بشكل ناشط في سورية. أما «جبهة النصرة»، فقد انفصلت عن تنظيم «القاعدة» في عام 2016، ثم اندمجت مع جماعات أخرى وأعادت تسمية نفسها بـ«هيئة تحرير الشام» في عام 2017. وبعد ذلك، بدأت بقمع منافسين لها مثل تنظيم «حراس الدين» بشكل جدي، فقضت بذلك نوعًا ما على هذه الخلية التابعة لـ تنظيم «القاعدة» بحلول يونيو 2020.
تقويض مكانة
قوّض الجهاد السوري مكانة تنظيم «القاعدة» في المنطقة، مع تصاعد الانشقاقات من داعش، وبدأت «هيئة تحرير الشام» بالتركيز بصورة أكبر على الحكم المحلي ومحاربة نظام الأسد وليس الجهاد العالمي. وعلى الرغم من أن القياديين البارزين في «هيئة تحرير الشام»، مثل أبو ماريا القحطاني وعبدالرحيم أتون، قد أبّنا الظواهري بعد ساعات من مقتله، إلا أن ذلك كان من منطلق احترامهما لزميلهما الجهادي في الخنادق، وليس إشارة إلى عودة «هيئة تحرير الشام» إلى تنظيم «القاعدة».
موالاة خارج سورية
على الرغم من أن مساعي الظواهري لم تنجح في سورية، إلا أن جميع فروع تنظيم «القاعدة» خارجها ظلت موالية له ولقضية «القاعدة» حتى في ظل انتشار تنظيم داعش.
وواجهت فروع للقاعدة مثل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» وتنظيم «القاعدة في شبه القارة الهندية» تحديات خطيرة، فيما حققت فروع أخرى لا سيما في الصومال «الشباب» ومالي (جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»)، تقدمًا كبيرًا حاليًا وتواصل تحقيق انتصارات ضد الحكومات المحلية.
خلفاء محتملون
فيما يتعلق بمن سيخلف الظواهري، أشار أحدث تقرير للأمم المتحدة عن تنظيم «القاعدة» إلى أن قادة «الشباب» وجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» يحتمل أن يخلفوه في حال وفاته، ومع ذلك، فإن نقل القيادة العالمية لتنظيم «القاعدة» من جذورها التاريخية في منطقة «أفغانستان - باكستان» إلى إفريقيا سيكون أمرًا غير مسبوق.
ومن بين المرشحين المحتملين الآخرين عضوان قديمان في تنظيم «القاعدة» هما: سيف العدل وعبدالرحمن المغربي، صهر الظواهري. ولكن كليهما يقيمان حاليًا في إيران، وبالتالي، فإن تعيين أي منهما كأمير قادم لتنظيم «القاعدة» يمكن أن يخلق مشاكل شرعية داخلية.
ويتمثل احتمال آخر بالترويج لقائد شاب يتمتع بشخصية مؤثرة، ولكنه غير معروف نسبيًا، يمكن أن يتواصل معه المجندون المحتملون بطريقة غير معهودة مع الظواهري. وبما أن تنظيم «القاعدة» يستمر في التنافس مع تنظيم «الدولة الإسلامية» على جذب الأتباع والمجندين، لذلك فإن إيجاد قائد ديناميكي جديد من المرجح أن يشكل أولوية.