لا ندري ماذا يحمل لنا المستقبل، ولكن أحد الخيارين أن يُقال عن تاريخ الثورة المصرية: ثار الشعب على النظام الدكتاتوري فعاد آخر رئيس وزرائه عبر الصناديق! الكثير لا يعتقد أن هذا وضع طبيعي، فالشعب الذي ثار في كل مكان، يصعب التسليم بأنه هو من عاد باختياره لاختيار شفيق الرجل المحسوب على النظام السابق دون أن تكون هناك عوامل تأثير مصاحبة!

لا أحب التحليل بالمؤامرة أبدا، لكن أقول إن هناك أسبابا كثيرة تجمعت وجعلت الكثير يُصوت لشفيق - ومن بينها بلا شك وقوف فلول النظام السابق مع شفيق كونه أفضل خيار لهم - فهل بإمكاننا أن نكتشف السر؟

رأيت تصريحا للمرشد السابق للإخوان وهو يتهم الإعلام المصري بأنه وقف مع شفيق ضد مرشحهم، وقد يكون في هذا شيء من الصحة، ولكنه نسيَ أن يُبرر كيفية الفوز الكاسح الذي حصلوا عليه في انتخابات البرلمان، فهل كان الإعلام مع غيرهم أيضا؟ هذا الأسلوب في التنكّر للمسؤولية والمصداقية يفقدهم الكثير، بدلا من تحمّلهم المسؤولية واعترافهم بارتكابهم لأخطاء وأنهم سيسعون لتصحيحها.

لا شك لدي أن عددا كبيرا من فلول النظام السابق صوّتوا لشفيق، بالإضافة إلى عدد كبير من الأقباط، إلا أن هناك عددا آخر صوّتوا له ولهم دوافع أخرى، وهي التي تجاهلها تماما مرشد الإخوان السابق! من أهمها في نظري هو الأداء السيئ للإخوان والسلفيين في البرلمان - مع قَصَر الفترة الزمنية الفائتة نسبيا - حيث يؤمن الكثير أنه لم يكن وصولهم بناء على الكفاءة والقدرة بل على مجرد الانتماء والتدين الظاهر فقط.

إن تصويت مجموعة كبيرة من الناس لأحد المحسوبين على النظام السابق يشير بوضوح إلى هدف الكثير من المشاركين في الثورة، وهو البحث عن لقمة العيش، خاصة في بلد يتمتع بنسب ربما هي من ضمن الأعلى عالميا في الأميّة والبطالة! الأمر الذي تجاهله بعض الإسلاميين وأكسبهم -ربما - غرورا بأن الناس سيصوتون لهم على أي حال!

والنتيجة هي خسارة قرابة نصف أصواتهم التي حصلوا عليها في الانتخابات السابقة بشكل سريع غير متوقع، والأسوأ أن هذا حصل في محافظات معروفة باتساع نفوذ الإسلاميين فيها! يضاف إلى ذلك عدم وجود برنامج سياسي واضح فيما يتعلق بالاقتصاد والمال والسياسية الخارجية وغير ذلك.

كما أنني أعتقد أن سوء أداء المرشح الرئاسي السلفي حازم أبو إسماعيل ومماحكته الفاشلة ومتابعة قيادات الحزب لتصرفاته وحشدهم للغوغاء للتجمع والفوضى كان له دور كبير في انخفاض شعبية الإسلاميين عموما.

إن الأخطاء التي ترتكب في مرحلة حرجة تمر بها البلاد هي في غاية السوء، ويجب تقديم المصلحة العليا للبلد على المصالح الحزبية مهما تسمّى به ذلك الحزب. وبغض النظر عن شخص الفريق شفيق وتاريخه وكل من رشحه؛ إلا أن وصوله سيعني استمرار الاضطرابات وعدم الاستقرار في البلد، فلن يقبل به الكثيرون حتى لو كان صادق النية طالما أنه محسوب على النظام السابق، كما أن الكثير يُشكّك في نيّته لمحاربة الفساد والمفسدين، وفي جديّته في بناء الدولة التعددية والديموقراطية الحديثة. ولو نظر للمصلحة العليا للبلد والحفاظ عليها لانسحب من بداية السباق، وأعطى صوته لمن اختاره مناسبا.

ومن الناحية التقنية فإن شفيق سيكون في الحقيقة مشلولا في حال وصوله للرئاسة، حيث إن البرلمان في يد خصومه التقليديين، ومن المتوقع أن تنشأ العديد من المشاكل والصراعات، التي قد تفضي في نهاية المطاف إلى انتخابات مبكرة مرة أخرى!

كما أن فلول النظام السابق والطبقة الفاسدة في البلد لن تألو جهدا في إجهاض العلمية الديموقراطية وإفشالها، ولكن لن ألومهم فاللوم لا ينفع المستجدي، إنما ألوم عقلاء البلد حينما يسيرون في الاتجاه الذي يُحفر لهم!

وسط هذه الصراعات؛ تبدو الصورة قاتمة، حيث نرى الجيش لا يزال يمسك بزمام الأمور، ولا يبدو متحمسا لمبادئ الثورة، كما أنه يرمي بين فترة وأخرى بالونات اختبار للرأي العام، فمرة سمعنا بوضع استثناءات لميزانية الجيش، ومرة نسمع باستثناءات في تغيير قياداته، وغير ذلك. وفي المقابل؛ نجد الأحزاب السياسية ضعيفة وقليلة الخبرة، كما أن تنظيمها وهيكلتها لا تزال عشوائية وهزيلة، ولا أعتقد أنه يمكن توقّع أمر استثنائي ينهض بالبلد خلال العقد القادم إلا أن يشاء الله.

وهذه النتيجة ستجعل مصر في عزلة عن المشاكل المحيطة لفترة طويلة، وربما تكون خسارة كبيرة إلا إن استجمعت قواها وساهمت في حلها، وهو أمر مستبعد كليا تحت هذه الظروف.

الآن وبعد هذا الدرس؛ هل سنرى يقظة من الجميع، ويكون معها إيثار لمصلحة البلد العليا؟ أم سنبقى ننتظر المنقذ الذي يخرج من السرداب؟ الله أعلم.