اجتمعت أوبك بلص، الخميس الماضي، وأقرت زيادة طفيفة في إنتاج النفط بمقدار 100 ألف برميل يوميًا في وقت كان يتوقع الإعلام الأمريكي أن يثمر الاجتماع زيادة كبيرة في الإنتاج كنتيجة لزيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى السعودية الشهر الماضي.

في الحقيقة قرأ الكثير من المتابعين والمحللين هذا الزيادة من عدة نواحٍ أختلف أو أتفق معهم في بعضها. لكن الحقيقة التي أحب أن أؤكد عليها أن دول أوبك كانت أكثر تعقلًا من منظمة الطاقة العالمية في تعاطيها مع المتغيرات والطلب المتزايد وأهم تلك المتغيرات بلا شك هي أزمة كوفيد 19 التي ضربت الاقتصادات العالمية في مقتل وكانت ستكون أسوأ لولا ضبط تحالف أوبك بلص لكمية الإنتاج وتوفير الإمدادات تحت أي ظرف من الإغلاقات.

جاءت الزيادة الطفيفة لإعطاء طمأنينة وحافز في نفس الوقت. طمأنينة لأسواق العالم بأن التحالف لديه القدرة على ضخ المزيد وفقًا للحاجة العالمية وأعتقد أن السعودية والإمارات ستتوليان هذه المرة زيادة الإنتاج. غير أن هذا القرار حمل رسالة تحفيزية للعالم بأن يتولى مسؤوليته في زيادة الاستثمارات والجهود في مجال النفط والغاز في الوقت الذي يتزايد الطلب بوتيرة متسارعة مستفيدًا من النتائج الإيجابية في التعافي من جائحة كورونا والانخفاض النسبي في وتيرة العمليات العسكرية في أوكرانيا.


يعاني العالم حاليًا من أزمة تضخم مفتعلة نتيجة السياسات الخاطئة تجاه أزمة المناخ العالمية التي أقرتها دول مجموعة السبع من خلال تقييد عمليات الاستثمار والتنقيب والإنتاج في مجال النفط ومصافيه. كما أن الإدارة الأمريكية فرضت قيودًا على التصدير والإنتاج وسحبت المخزونات النفطية الاستراتيجية لكسر حدة التضخم داخل الولايات المتحدة، فيما تشير التقارير إلى أن العالم يشهد اليوم أدنى مستويات المخزونات النفطية الاستراتجية منذ ثلاثين عامًا.

وكنتيجة لتلك القرارات، ارتفعت الآن الواردات الأوروبية من النفط الروسي للأسبوع السابع على التوالي، بعضها يحمل الصفة الرسمية الروسية والبعض الآخر يباع على أنه نفط غير روسي وهو يحمل نفس المواصفات والمعايير الفنية للنفط الروسي. تظهر هذه الحالة حقيقة أن أوروبا تحاول توفير وتخزين النفط استعدادًا لموسم الشتاء القادم قبل دخول العقوبات الأوروبية على روسيا حيّز التنفيذ في ديسمبر المقبل، في حين أعادت بعض دول أوروبا افتتاح مفاعلاتها النووية وقامت بتخزين الغاز الطبيعي في مكامن مهجورة وارتفعت وتيرة استخدام الفحم الحجري لمستويات ما قبل 2010. وعليه ساعدت تلك القرارات الأوروبية المتناقضة روسيا على تحقيق أكبر عائد من مبيعات النفط، حيث حققت روسيا متوسط 170 مليون دولار يوميًا مقارنة بمقدار 120 مليون دولار يوميًا بزيادة 50 مليون دولار (10.5 مليارات روبل روسي) يوميًا في دلالة على استفادة روسيا من العقوبات الأوروبية التي رفعت سعر النفط الخام الروسي وسببت أزمة نتيجة الطلب المتزايد.

حاليًا تقف أوبك موقف المحايد فهي لا تريد الضغط أكثر على المنتجين من خلال الرفع غير المحسوب للإنتاج، في وقت يواجه بعضهم مشكلات فنية وصيانات دورية مجدولة على منشآتهم، كما أنها تعلن عن نواياها الصادقة تجاه تحمّل دورها المسؤول في زيادة الإنتاج بشكل شهري منذ العام الماضي استجابة للطلب العالمي.

إن العالم يتطوّر بشكل أكثر وأسرع من ذي قبل، فالمتوقع أن يبلغ سكان العالم بحلول 2050 أكثر من 9.2 مليارات نسمة ليقفز من 7.5 في 2022 وهو ما يعني زيادة متوقعة في الطلب على النفط والغاز الذي يعدّ حتى الآن هو المصدر الموثوق الأول عالميًا للطاقة والأكثر نظافة باعتبار الاعتمادية والموثوقية التشغيلية. فيما لم تقدّم حلول الطاقة النظيفة أي فاعلية تذكر حتى الآن مقارنة بالكلفة وكفاءة التشغيل.

إن العالم يجب أن يتحمّل دوره المسؤول في إدارة أزمة الطاقة بضخ الاستثمارات والسماح بالتنقيب ومعالجة مشكلة المناخ بمنطق وحكمة بعيدًا عن تبشيع وتجريم النفط والغاز. فبإمكان العالم معالجة أزمة المناخ من خلال تقنيات التقاط الكربون الموجودة حاليًا ووقف الفحم الحجري والطاقة النووية اللذين يعتبران أكبر الملوثات عالميًا. وإن لم يتدارك السياسيون قراراتهم الخاطئة فإن العالم حتمًا سيقبل على ركود اقتصادي وقبله عجز عن الوفاء بالطلب العالمي نتيجة محدودية الموارد للنفط والغاز. فهل يستمر العالم بإطلاق النار على قدميه؟ أو يتوقف.