و بعد النجاح الباهر الذى أبرزته المملكة العربية السعودية في احتواء الجائحة و إدارتها بكفاءة لتحديات تفشى الوباء بأسلوب حرفي وذكي منقطع النظير، بفضل الله أولا ثم بفضل القرارات الحكيمة والإجراءات الاستباقية التي وجهت بها حكومتنا الرشيدة وتبنتها وزارة الصحة والقطاعات المشاركة، لهو مثال فريد ونموذج يحتذى به في إدارة الجوائح.
و اليوم ونحن نشهد المتغيرات الديموغرافية للمجتمع السعودي، و الذي فيه سيتضاعف عدد السكان وفئة كبار السن ويزداد العمر الافتراضي للفرد السعودي إلى 81 عاما بإذن الله بحلول عام 2045، وتتزايد فيه معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري و أمراض القلب وغيرها، الأمر الذي سيجعل الفرد المعمر أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، وذلك لضعف المناعة الذاتية وقصور الاستجابة الفاعلة للجسم للتصدي بكفاءة ضد هذه النوعية من الأمراض المعدية.
وإذا كنت سألقي الضوء اليوم على فئة البالغين ممن هم فوق 50 عاما فأكثر، فإننا سنجد أن مرض الحزام الناري هو من أشد الأمراض المعدية ترصدا لهذه الفئة من المجتمع، حيث كلنا نعي أن القصة تبدأ مبكرا منذ الطفولة حين يصاب الأطفال بفيروس الجديري المائي ( Chicken Pox).
و بعد الشفاء منه يبقى الفيروس خاملا في بعض العقد العصبية، وينشط من جديد بعد مرور عقود من الزمن، حيث يعاود الظهور في صورة الحزام الناري عند كبار السن، حيث يعانون من حرارة أو حرقان سطحي فوق الجلد مصحوب بحكة، وبعد بضعة أيام تظهر البثور أو الطفح الجلدي المؤلم في صورة حويصلات مائية بارزة من سطح جلدي ملتهب يمثل مسار نطاق عصبي محدد، وعادة ما يكون في منطقة الصدر أو البطن، ولعل أشدها خطورة هو ما يصيب العين الهربس النطاقي العيني (Herpes Zoster Ophthalmicus).
حيث من الممكن أن يتسبب في إصابة القرنية والتهابات قد تؤدي إلى فقدان البصر لا قدر الله. ولعل الفئات المعرضة لخطر الإصابة ليسوا فقط كبار السن فوق 50 سنة بل أيضا كل من أصيب جهازه المناعي بضعف بسبب استخدام الأدوية المثبطة للمناعة مثل الكورتيزونات وأدوية العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي للسرطان ومرضى الأمراض المزمنة وزراعة الأعضاء.
ومن الجدير بالذكر أنه من الممكن أن يكون الحزام الناري مُعديًا، حيث ينقل الشخص المصاب به العدوى لأي شخص ليست لديه مناعة ضد فيروس الجدري المائي، وتحدث العدوى عادة لدى ملامسة إحدى البثور المفتوحة من الطفح الجلدي الذى سببه الحزام الناري، ويصاب المريض بالحزام الناري مرة واحدة في حياته، ومن النّادر أن تتكرر الإصابة بهذا المرض لمرتين أو أكثر، وتُشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض مرتفعة نسبيا، حيث يصاب شخص من بين كل ثلاثة أشخاص بهذا المرض على مستوى العالم.
كما أوضحت إحدى الدراسات الحديثة أن مرضى أمراض القلب من كبار السن لديهم احتمالية الإصابة بالحزام الناري بنسبة 20 -30%، ومرضى الانسداد الشعبي الرئوي 30%، ومرضى السكري 40%. وبسبب الجهاز المناعي المنهك بعد التشافي من كوفيد 19 تصل احتمالية الإصابة بالحزام الناري إلى 15%.
وقد تستغرق مدة الإصابة بالحزام الناري حتى تمام الشفاء فترة تتراوح من أسبوعين إلى خمسة أسابيع، ومن أشد المضاعفات حدوثا بعد الشفاء من مرض الحزام الناري هو الألم العصبي التالي للهربس، و هو من أكثر مضاعفات الحزام الناري انتشارًا، ويظهر على شكل ألم يحدث في نفس المنطقة التي ظهر فيها الطفح الناتج عن الحزام الناري، ولكن الألم يستمر لمدة طويلة قد تصل إلى أشهر أو سنوات، وفي بعض الحالات يستمر الألم مدى الحياة.
فيه يتألم المريض ويفقد قدرته الوظيفية في القيام بأعماله، ويفقد الإحساس برفاهية الصحة والحياة، ويصاب بالإحباط والاكتئاب بسبب الآلام المبرحة التي تستجيب جزئيا إلى بعض الأدوية المتقدمة في علاج الألم.
وللوقاية من الحزام الناري وفرت وزارة الصحة حاليا لقاح Shingrix، ويتم أخذه على هيئة جرعتين أعلى الذراع، على أن يتم الحصول على الجرعة الثانية خلال 2-6 أشهر من تلقي الأولى، إن اللقاح يلعب دورا في تقليل خطر الإصابة بنسبة تزيد على 90% لعمر الخمسين سنة وما فوق.
و هنا أدعو كل أفراد المجتمع ممن هم فوق الخمسين عاما لتلقي اللقاح الذي سيقيهم بإذن الله من مضاعفات مرض الحزام الناري، والتخفيف من تبعياته وعواقبه، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.
* استشارى طب الأسرة