استعادت وسائل التواصل الاجتماعي أخيرًا حكاية مخيريق بن النضير الذي حارب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وقتل فيها، وجددت الجدل حول ما إن كان قد أسلم أو مات وهو يهودي، وهو الجدل الذي فجرته وحاولت بعض الشخصيات اليهودية استثماره سياسيًا.

وأعاد الجدل الأخير التساؤل حول:

من هو مخيريق؟


وما هي قصته؟

وهل أسلم، أم بقي على يهوديته؟.

حكاية لها أصل

في غزوة أحد، شارك مخيريق النضيري وهو من يهود بني النضير في القتال إلى جانب المسلمين ضد المشركين وقتل في المعركة، وذكرت بعض السير أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما جاءه خبر مقتل مخيريق، قال: «مخيريق خير يهود».

وعلى الرغم من أن هذه القصة لم تثبت في السيرة النبوية، فإن مخيريق وقصته ظلت موضع بحث، وتمحورت حول ما إن كان مخيريق قد أسلم أم بقي على اليهودية، وحول ما إن كان ما فعله في غزوة أحد يعد من شهامة العرب ونبلهم أم هو إيمان بدين الإسلام، وأنه هو آخر رسالة من السماء إلى الأرض، فأسلم.

لمحاولة الإجابة، كان لا بد من تتبع بعض المصادر والكتب بحثا عما يتعلق بمخيريق، واسمه (مخيريق) هنا جاء بصيغة التصغير، حيث يطلق العرب هذا الاسم على الفتى الفارع الطول سمح الوجه ولين الطباع.

ترجيح النسب

جاء في كتاب (جمل من أنساب الأشراف - أحمد البلاذري) أن مخيريق صحابي من بني قينقاع، وقيل من بني ثعلبة بن الفطيون، وقيل من بني النضير وهو الأرجح والأكثر في الرواية.

وجاء في «الروض الأنف في شرح السيرة النبوية» لأبي القاسم السهيلي، أنه كان من علماء اليهود وأغنيائهم، ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة من عبدالله بن صوريا الأعور، وابن صلوبا، ومخيريق كان حبرهم.

إسلام مخيريق

كان مخيريق يعرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بصفته وما يجد في علمه، لأنه كان عالمًا من أحبار اليهود، لكن غلب عليه إِلف دينه، فلما كان يوم السبت وغزوة أحد، قال «والله يا معشر يهود، إنكم لتعلمون أنّ نصر محمد عليكم لحقّ، قالوا: اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم»، ثم عهد إلى من وراءه من قومه «إن قُتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يضعها حيث أراه الله»، ثم أخذ سلاحه وخرج، فلما اقتتل الناس في غزوة أحد قاتل حتى قُتل، فقال عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «مخيريق خير يهود».

سابق يهود

روى عمر بن شبّة في أخبار المدينة: حدثنا محمد بن علي حدثنا عبدالعزيز بن عمران عن عبدالله بن جعفر المسور عن أبي عون بن شهاب قال: كانت صدقات رسول الله أموالا لمخيريق فأوصى بها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وشهد أحدًا فقتل بها، فقال رسول الله: «مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة» ومعنى ذلك أنه سبق اليهود بإسلامه كما سبق سلمان الفرس وبلال الحبشة.

جدل حول إسلامه

اختلف في إسلام مخيريق، فذهب البعض إلى عدم استشهاده، وأنه مات يهوديًا بدليل دفنه على ناحية من مقابر شهداء أحد، ولم يُصلّ عليه ولم يُسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يومئذ ولا بعده يترحم عليه.

بينما يؤكد أكثر الذين رووا عنه أنه أسلم لكونه لا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى ولا خير اليهود، لأنه بهذه الصيغة يكون الذي أضيف بعض مما أضيف إليه، فإن قيل: وكيف جاز ذلك في مخيريق؟ فيلاحظ أنه قال خير يهود ولم يقل خير اليهود، ويهود اسم علم كـثمود.

فإذا قلت (اليهود) بـ(الألف واللام) احتمل وجهين، الأول النسب والدين الذي هو اليهودية، فإن قيل (يهود)، مثلما قال النبي، فهي عائدة لنسب مخيريق، بينما لو قيل (اليهود) فهي بذلك الصفة أي الدين، بينما اللفظ الثالث هو في القرآن لا يتصور فيه إلا معنى واحدا هو الدين لا النسب مثل قوله تعالى: (كُونُوا هُودًا أَوْ نَصارى)، بحذف (الياء)، ولم يقل: كونوا يهودًا لأنه أراد التهود، وهو التدين بدينهم.. وهذا ما ذهب إليه السهلي في كتابه الروض الأنف في شرح السيرة النبوية.

مزاعم بودلي

يفنّد مهدي بن رزق الله أحمد في كتابه (مزاعم وأخطاء وتناقضات وشبهات بودلي) عن كتاب (الرسول وحياة محمد دراسة نقدية) بخصوص ما ذكره المؤلف (ر.ف. بودلي) عن عدم إسلام مخيريق، أنه «لم يستعن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بغير المسلمين في جميع حروبه ضد المشركين، وبصفة خاصة رفض الاستعانة باليهود المشركين يوم أحد، فكيف يرفض الرسول اشتراك جماعة من اليهود لم يسلموا يوم أحد، وهو في أمس الحاجة لقوة غير المسلمين في ذلك الوقت العصيب، ويقبل اشتراك يهودي واحد لم يسلم؟ وقت انسحاب عبدالله بن أبي سلول بثلثي الجيش الإسلامي، ليصبح عدد المسلمين نحو 700 مجاهد مقابل 3000 مقاتل من مشركي مكة».

أما مسألة عدم الصلاة عليه، فلم يكن وحده الذي لم يصل عليه الرسول، لأن في الصلاة على الشهداء خلاف بين العلماء، وأما بشأن الاستدلال على قول النبي «مخيريق خير يهود»، فبعيدا عما ذكر من اشتقاق لغوي يوضح المقصود النسب، وليس الدين، وهناك قول آخر قاله الرسول عنه «مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة».

ويمكن الاستدلال بها على إسلام مخيريق، لأن حديثه هنا يعني أنه مثل سلمان وبلال رضي الله عنهما، كان مثالا لليهود الذين سبقوه إلى الدخول في الإسلام، وليس بمستغرب أن يكون كاتمًا لإسلامه وانتظر اللحظة الحاسمة للإعلان.

وبذلك فإن مخيريق مات مسلمًا، واستشهد في غزوة أحد، وأوصى بأمواله قبل وفاته للرسول صلى الله عليه وسلم، والإسلام يجب ما قبله، بمعنى أن استخدام الإسرائيليين لقصة مخيريق ليست بريئة من السياسة ولا علاقة لها بشخصية مخيريق.

أدلة ترجيح إسلام مخيريق

ـ قول الرسول «مخيريق خير يهود» وليس اليهود

ـ قول الرسول «مخيريق سابق يهود»

ـ رفض الرسول الاستعانة بغير المسلمين في معاركه

ـ رفض الرسول على وجه الخصوص الاستعانة باليهود في موقعة أحد

ـ توصية مخيريق بأمواله للرسول يضعها حيث أراه الله