كان بإمكان الرئيس الأمريكي أن يخرج من زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط بنتائج أكبر بكثير مما خرج به. نعم نجحت قمة جدة للأمن والتنمية في إرسال رسالة الدول العربية والخليجية للعالم بشأن الالتزام العربي التام بشأن الأمن الإقليمي، والبناء والتوجّه نحو الازدهار والاستثمار في الشباب ومشاريع التنمية. صحيح أننا نجحنا في توحيد كلمتنا كعرب تجاه قضية فلسطين ومبادرة السلام وفقاً لقراري مجلس الأمن (242 و338) وحدود 67، إلا أن أصدقاءنا الأمريكيين لم يؤكدوا التزامهم الجاد تجاه أمن المنطقة والمعابر المائية والتدخلات الإيرانية والتركية في الدول العربية المزعزعة للأمن الوطني العربي، وكأنهم (أي الأمريكان) يريدون استمرار نظريتهم لموازنة القوى بين الخليج وإيران وتركيا، ظناً منهم أن هذا هو السبيل الوحيد لضمان أمن واستقرار إسرائيل، وكذلك جعلهم في حاجة دائمة للدعم الأمني الغربي.

لقد جاء تصريح الرئيس بايدن بأنهم أخطأوا في ترك فراغ في المنطقة ملأته الصين وروسيا، معبراً عن العقلية الإمبريالية الأمريكية، التي لا تزال تتعامل مع العالم بأنه عبارة عن مناطق نفوذ، وهو بلا شك أسلوب قديم عفا عليه الزمن. فالدول الآن تتقدم بسرعة من خلال عاملين مهمين هما الشباب والتنمية، مستفيدة من وسائل الذكاء الاصطناعي والموارد الطبيعية، وهي مصادر متوفرة في الدول العربية بلا شك.

لقد عاد بايدن إلى الولايات المتحدة الأمريكية برفقة فريقه السياسي الذي كانت لغة جسده تدل على عدم جاهزية حقيقية تجاه عقد تحالفات جديدة تسمح للاعتقاد بأن مشكلات أساسية هي في طور الحل. إن قضية المناخ أو التغير المناخي هي قضية في الأساس بيئية تم تسييسها من أجل تجريم الأدوات الاقتصادية في أيادي الدول النامية، في ظل أفول الوقود الأحفوري في أوروبا، وتأزم الوضع، وفشل الغرب لسنوات طويلة في احتواء الصين وروسيا، وهم الآن يواجهون معضلة شرق أوروبا محاولين الاكتفاء باستمرارها لزيادة الكلفة الاقتصادية على بوتين رغم إيمانهم التام بأن بوتين سينتصر في النهاية.


المشكلة الاقتصادية الحالية في العالم هي مشكلة مفتعلة سياسياً، وكان بإمكان الرئيس بايدن تقديم الدعم الصريح للسعودية ودول الخليج والتدخل لمنع النفوذ الإيراني في المنطقة ومعالجة قضية فلسطين. لكننا لاحظنا أن إسرائيل بدأت تقصف قطاع غزة في اليوم التالي لزيارة بايدن في دليل على عدم نجاح بايدن على الأقل في تقريب وجهات النظر.

كما أن أسعار النفط والغاز قفزت بقوة بعد انتهاء القمة في جدة، في الوقت الذي لم ينجح بايدن في أخذ التزام من السعودية والإمارات بشأن رفع الطاقة الإنتاجية للحد الأقصى. فعن أي دبلوماسية يتحدث بايدن وفريقه؟ ولماذا لم ينجح؟

إن الطريف في الأمر أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة تتمسك برواية تبنتها الصحافة اليسارية الأمريكية منذ مقتل الصحفى السعودي جمال خاشقجي على يد موظفي القنصلية في تركيا، وهي الجريمة التي أخذت السعودية على عاتقها كشف ملابساتها بكل وضوح أمام العالم رغم مرارتها وشكلها المحرج للسعوديين، لكننا اعترفنا أن الجريمة وقعت نتيجة عراك لم تكن السلطات الرسمية مسؤولة عنه. ولو كانت السعودية تريد استخدام أساليب التصفية مثلما تفعل الدول الغربية، لكنّا قمنا بذلك بطريقة غير مباشرة بعيداً عن المقار الحكومية. لكن الرئيس بايدن أبى إلا أن يتطرق لهذا الموضوع بعد أربع سنوات من وقوعه في اجتماع قمة جدة، وبعد أن أعلن القضاء السعودي نتائج تحقيقاته وأصدر الأحكام الشرعية على المجرمين، وكأنه يريد أن يكسب بهذا الخبر ثقة الناخب الأمريكي. في الحقيقة، لا أجد تبريراً لهذا الموضوع إلا السذاجة التامة من قبل إدارة بايدن، لقد كان أجدى للرئيس الأمريكي أن يكسب الفرصة وينجح في انتزاع التزام سعودي لمزيد من النفط، وهو الحل الوحيد الذي سينقذه من أزمة حقيقية يواجهها في ظل انحسار شعبيته كرئيس، نتيجة التضخم غير المعهود والأسعار المرتفعة للوقود، وكذلك أزمة الطيران، قبيل الانتخابات النصفية نوفمبر المقبل.

عاد بايدن وكأن الحلول قد انتهت أمام إدارته في علاج أزمة الطاقة الخانقة بين مطرقة التضخم وسندان بوتين. يعتزم بايدن إعلان حالة الطوارئ في البلاد هذا الأسبوع، والتي تسمح له بامتلاك أكثر من 100 قرار تنفيذي لمواجهة أزمة الطاقة تحت مسمى (مواجهة التغير المناخي)، وكأنه القرد الذي يعود إليه كلما أعجزته الحيل. من المفترض أن يستخدم هذا القانون لسن تشريعات جديدة وإعادة حظر تصدير النفط الأمريكي ومنتجاته للخارج، وكذلك استخدام الأموال الفيدرالية لتنفيذ المشاريع الاستثمارية في مجالات الطاقة المتجددة والنظيفة وإعفاءها من الضرائب. كما يمكنه أيضاً وضع قيود قاسية على المنتجات النفطية والغاز والضغط على أعضاء مجلس الشيوخ (الكونغرس) للعب دور أكثر فعالية في مواجهة الحرارة المتزايدة لكوكب الأرض (بحسب زعمهم).

لقد اختار بايدن الطريق الأطول لحل مشكلة الطاقة العالمية ومعالجة أزمة التضخم في أمريكا، وبالتأكيد سيواجه أزمة كبيرة ومعارضة داخلية، خصوصاً من الولايات التي تعتمد على النفط وكبار الشركات النفطية الأمريكية، ولا ننسى أن المحكمة العليا الأمريكية قد انتزعت من وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA حق سن القوانين التنفيذية من أجل معالجة نفس المشكلة. وبين هذا وذاك .. كان بايدن في غنى عن قرده، لو أنه تحالف مع صقور العرب.