قدمت ورقة بحثية نشرتها أخيراً مجلة Science Magazine بعنوان: «أغشية بوليتريزول ذات طبقة انتقائية شديدة الرقة قابلة للانضغاط لتجزئة النفط الخام»، حلاً مبتكراً لتطوير الأغشية للتعامل مع الظروف الصناعية الفريدة، مثل تجزئة الهيدروكربون.

تعاون في تأليف هذه الورقة فريق من العلماء تحت إشراف البروفيسورة الدكتورة سوزانا نونز، أستاذة العلوم والهندسة الكيماوية والبيئية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، نائبة مدير الجامعة للشؤون التعليمية والأكاديمية. وسلطت الورقة الضوء على استراتيجية متعددة الاستخدامات لتصنيع أغشية بوليتريزول لتجزئة النفط الخام على نحو موفر للطاقة. وتعد الأغشية مفيدة أيضاً لخصائصها ذات البصمة الكربونية المنخفضة ومدى ملاءمتها لتعزيز الاقتصاد الدائري للكربون.

تقول نونز: «أعمل على أغشية البوليتريزول منذ أكثر من عشرين عاماً». وتضيف: «في هذه الورقة، اعتمدنا نهجاً اقترحه الدكتور ستيفان تشيسكا، عالم الأبحاث في مختبرنا. أبحث دائماً عن بوليمرات يمكنها مواجهة تحديات تتعذر مواجهتها باستخدام غشاء بسيط للغاية».


يتخصص ستيفان تشيسكا في تطوير البوليمرات لأغراض تطبيقات الأغشية، مع التركيز على عمليات الفصل التي تنطوي على الحد الأدنى من استهلاك الطاقة، فقد تولى قبل انضمامه إلى كاوست، قيادة أبحاث الأغشية كرئيس قسم أغشية الطاقة المستدامة في جمعية هيلمهولتز الألمانية.

في حين صممت معظم الأغشية المتاحة تجارياً، لبيئات المياه ودرجة حرارة الغرفة، فإن ثمة تحدياً فريداً يتمثل في تطوير أغشية مستقرة لظروف أقسى تتميز بدرجات حرارة مرتفعة ومجموعة واسعة من المذيبات العضوية ودرجة الحموضة، مثل حالة تجزئة النفط.

تحدي الفصل

تعد عملية الفصل المطلوبة لتنقية المذيبات والمواد الكيماوية، وتنظيم تبادل المذيبات، وإدارة المحفزات، عنصراً حاسماً لكنها شديدة الاستهلاك للطاقة، ومكلفة، يشيع استخدامها في الصناعات الكيماوية والصيدلانية والبتروكيماوية، إذ تشمل تقنيات الفصل الأكثر شيوعاً كلاً من التقطير، والامتصاص، والتبخر، والاستخلاص.

وفي هذا الإطار، توفر تقنية الأغشية بديلاً منخفض البصمة الكربونية يعد أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن هذه الصناعات تلاقي صعوبة في استبدال طرق الفصل التقليدية، كونها تحتاج إلى أغشية تلبي متطلبات الاستقرار الميكانيكي والحراري الصارمة لمنع شيخوختها الفيزيائية السريعة، والحد من تدهورها.

تشير نونز إلى منهجية التشابك الحاسمة، باستخدام المعالجة الحرارية اللازمة لإعداد الغشاء للتفاعل مع النفط الخام، من دون أن يذوب تماماً، إذ أثبتت أغشية البوليتريازول أنها أفضل من حيث كونها مناسبة لفصل الخلائط غير المائية المعقدة. وقد صنع فريق كاوست أغشية بوليتريازول بطبقات انتقائية، بسماكة 10 نانومتر، تحتوي على قنوات نانومترية فرعية لفصل الهيدروكربونات.

باستخدام التشبيك الحراري جنباً إلى جنب مع تقنية NIPS، أثبتت الأغشية البوليمرية المعالجة أنها مناسبة لعمليات الفصل الكيماوي شديدة الصعوبة، إذ إن الطبقات الانتقائية الرقيقة للغاية والخصائص القابلة للضبط لأغشية البوليتريزول، مثل النفاذية، تسمح بالتكيف مع مجموعة واسعة من السوائل الصعبة، والأحماض القوية، والمخاليط المعقدة، مثل تلك الموجودة في النفط الخام.

توصيف تحليلي

عمل فريق نونز مع العلماء العاملين في مختبرات كاوست الأساسية، لتوصيف الغشاء والزيت نفسه توصيفاً كاملاً، حيث جرى استخدام طرق طيفية وميكروسكوبية مختلفة للتحقق من مورفولوجيا الأغشية قبل التشبيك وبعده، وتتبع تجزئة الزيت، الأمر الذي أسفر عن توصيف كامل للخصائص.

تقول نونز: «تعد هذه الورقة العلمية مثالاً ممتازاً. فجميع المشاركين هم من كاوست، سواء أكانوا أفراد مجموعتنا أو علماء مختبرات كاوست الأساسية. أعتقد أن من المهم تسليط الضوء على أنهم علماء مدربون على هذه التقنيات، إذ لا يمكننا فعل ذلك بمفردنا».

تطبيقات تخدم المملكة

تعتقد نونز أن تكنولوجيا الأغشية يمكنها أن تساعد السعودية في توفير الكثير من الطاقة.

وتؤكد قائلة: «هدفنا بل حلمنا هو أن تستخدم شركات البتروكيماويات الإقليمية الكبيرة تكنولوجيا الأغشية كبديل لجزء من عمليات الفصل الحراري، هذا هو سبب قيامنا بذلك.

وترى نونز في تقنية الأغشية حلاً قابلاً للتطبيق، لمساعدة الجهود الحالية الرامية إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال معالجة المشكلة في بداية سلسلة القيمة الصناعية. تقول: «أعتقد أن من الأجدى فاعلية استبدال جزء من العمليات المستخدمة في الصناعة الكيماوية، التي تمثل بصمة كربونية عالية للغاية».

وتضيف: «إذا كان بمقدور المصانع الجديدة التي يتم تشييدها في السعودية أن تدمج منذ البداية عمليات فصل جديدة وأكثر استدامة قائمة على الأغشية، فإنها ستسهم كثيراً في اقتصاد الكربون الدائري».