منذ الأشهر الأولى لتوليه وزارة الثقافة والإعلام ظل عبدالعزيز خوجة يقرأ أبرز وأهم الإجراءات التي تسهم في إحداث النقلة الفعلية في التلفزيون السعودي، فتح بابه لكل الأصوات الإعلامية والثقافية في المملكة حتى تحول كل مثقف وكل إعلامي إلى مستشار وصاحب رأي في واقع الوزارة في تطلعاتها، وفي ذاك تفعيل لفكرة الشراكة الحقيقية التي تمثل العامل الأبرز في نجاح كل مؤسسة وكل وزارة.
بالنسبة للإعلاميين كان العمل على تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة حلما وطموحا ظن بعضهم أنه اختفى في دهاليز البيروقراطية واللجان والاجتماعات، لكن ورشة حقيقية كانت تعمل باستمرار وجهد لتنعش ذلك الحلم من جديد، ولتصنع المسار الأنسب لواقع إعلامي جديد في المملكة يلائم كل التحولات والمستجدات التي نعيشها ويمثل مدخلا لواقع صناعة تلفزيونية وإذاعية رائدة.
يدرك خادم الحرمين الشريفين أن الأفكار الإيجابية لا بد أن تحظى بكل دعم ومباركة، وحيث يقود حفظه الله مسيرة التطوير والتحديث في كل القطاعات يحظى الإعلام السعودي والثقافة السعودية بدعمه المستمر، خاصة مع ما بات يمثله الإعلام الآن من كونه أحد أهم الأذرع التي تلعب دورا حيويا ومهما في الاستقرار والتنمية بل والأمن أيضا.
في تجربتنا الإدارية في المملكة يمثل تنظيم (الهيئات) المنبثقة عن وزارات واقعا إداريا متميزا يساعد على تخفيف الأعباء الإدارية والمالية عن الوزارات، وفي ذات الوقت يمنع كثيرا من التداخل الذي يحدث غالبا بين الفني والإداري، إذ تركز الهيئات على الجوانب الفنية والتنظيمية ومنح التراخيص وتنفيذ أنظمة الوزارة التي يقرها مجلس الوزراء.
علق بعض المراقبين على قرار تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة أن ذلك قد يؤدي إلى نوع من التداخل بين عمل الهيئة والوزارة، لكن لدينا الكثير من التجارب التنظيمية السعودية التي أثبتت خلاف ذلك، فمثلا لدينا وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ولدينا أيضا هيئة الاتصالات وتقنيات المعلومات، وفي الكهرباء ومع وجود الوزارة لدينا أيضا هيئة تنظيم الكهرباء، كما أن وزارة الصحة لديها العديد من الهيئات. إذن فنحن أمام واقع إداري يسعى لدعم العمل الفني وتوزيع الجهود وتحديد الاختصاصات التي قد يؤدي تداخلها إلى ظهور مخرجات سلبية تنعكس على الأداء العام لهذا القطاع أو ذاك.
على المستوى الإعلامي لدينا العديد من التجارب العالمية والعربية التي تحول فيها الإعلام إلى هيئات استطاعت أن تقدم نماذج رائدة في النجاح، لعل أبرز مثال عالمي على ذلك هو هيئة الإذاعة البريطانية BBC التي يزيد عدد مشاهديها عبر العالم عن مئتي مليون مشاهد، والتي مثلت رغم استقلاليتها صوتا أحد أبرز الكيانات الإعلامية في العالم.. إن من أبرز الجوانب التي يمكن ملاحظتها في عمل وزارة الثقافة والإعلام أنها استطاعت طيلة السنوات الماضية أن تحقق قدرا عاليا من المرونة رغم كونها مثقلة بالكثير من القضايا الإدارية والمالية، مما يعني أن الانتقال للهيئة سوف يمثل امتداد وفتحا جديدا في الوقت ذاته، فهو امتداد لما يمكن تسميته فعلا بالجرأة الإعلامية التي شهدتها الوزارة مؤخرا، وأبرز دليل على ذلك إطلاق هذا العدد من القنوات الذي شمل تنويعا حقيقيا في الإعلام السعودي ليغطي الجوانب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإخبارية. مما يعكس أن التحول إلى هيئة سيسهم في تفعيل كل ذلك الواقع الإيجابي القائم حاليا لدى الوزارة وسيسهم في فتح آفاق جديدة في العمل الإعلامي في المملكة، وبخاصة الإسهام في صناعة الإعلام الأهلي، الأمر الذي سيحتاج إلى سن المزيد من القوانين والتنظيمات.
حدد قرار مجلس الوزراء فترة زمنية لهيئة الخبراء للعمل على إعداد الصيغة النهائية للنظام، والتي سبقت بالكثير من الدراسات ومسودات القرارات، للخروج بتنظيم يجب أن يمثل بالفعل تلبية لروح القرار وطموحه وهدفه الأبرز المتمثل في مواصلة الارتقاء بالإعلام السعودي. هذا التحول القادم سيحتاج إلى واقع مالي جديد تلعب فيه وزارة المالية دورا مهما للغاية.
الآن يتجاوز الإعلام في كل دول العالم أدواره التقليدية والترفيهية ليؤدي أدوارا لا تقل أهمية عن غيره من القطاعات، والواقع المحيط بنا يشير وبلا مبالغة إلى أن النجاحات الإعلامية باتت لاعبا مهما في صناعة مواقف الدولة وقوتها، بل من الواضح الآن أننا أمام ما يمكن تسميته بالسيادة الإعلامية التي لا تقل أهمية عن السيادة السياسية والاقتصادية، وكل ذلك بحاجة حقيقية لمزيد من التحولات والتنظيمات التي يمكن اعتبار قرار مجلس الوزراء الأخير أبرزها وأهمها.