من المعروف أن حجاج الجاوة -بلاد الملايو، وهي حاليًا إندونيسيا وماليزيا وسلطنة بروناي وما جاورها- كانوا يشكلون نسبة كبيرة من الحجاج تماثلها نسبة حجاج الهند (قبل دولتي باكستان وبنغلاديش)، وقد حدث بعد دخول منطقة الحجاز في الدولة السعودية (1344هـ) وتعميم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدودها الشرعية فيها، أن انتشرت دعاية مضادة في بلاد الملايو تشوه سمعة الدولة السعودية الجديدة، ويقول يعقوب يوسف الحجي -الذي ألف كتابًا جيدًا عن سيرة المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد- إن هذه الدعاية تسببت في انخفاض حجاج الجاوة من (25) ألفًا سنة 1347هـ إلى (7) آلاف فقط، وإن إجمالي عدد الحجاج (من الداخل والخارج) انخفض من (220) ألفًا إلى (105) آلاف حاج في عام 1349هـ.
كان الحج، في ذلك الوقت يمثل ركيزة مهمة في اقتصاد الدولة، وكان نجاحه ولا يزال، دلالة على انتشار الأمن والاستقرار في ربوع الحجاز، ولذلك كان الملك عبدالعزيز، يدرك مدى أهمية ارتفاع عدد الحجاج، وتأثيره الإيجابي على اقتصاد البلاد وعلى مكانتها وسمعتها، ولذلك بادر إلى تبني حلول يعتمد بعضها على أسس إعلامية، إذ أرسل مبعوثين إلى عدد من الدول الإسلامية، البعيدة (إندونيسيا والهند) والمجاورة (مصر) وغيرها، للدعوة، ولشرح مواقف المملكة الجديدة ومنهجها، وتأكيد أمن الحج وسلامته، وتوضيح حقيقة التوجهات الدينية -المذهبية- للدولة السعودية.
كان من هؤلاء الرسل والمبعوثين، عبدالحميد الخطيب -الذي أصبح فيما بعد سفير المملكة في باكستان، وكان ممن يجيدون اللغة الملاوية- وقد قام كل منهم بجهود مختلفة (بين 1350 و1360هـ)، لمواجهة ذلك الزخم من الصحف، التي كان يصدرها بالعربية بعض الحضارم النازحين إلى هناك، وبعض أصحاب الطرق والمذاهب الإسلامية في إندونيسيا.
لم يكتف الملك عبدالعزيز بهذا الإجراء الذي لم يسهم كثيرًا في رفع عدد الحجاج، فأمر في 1355هـ بإنشاء مجلس للدعاية للحج، وقد سبقت الإشارة إلى اختيار إبراهيم الشورى وكيلاً لهذا المجلس، الذي تحول إلى مديرية، ثم إلى مصلحة تابعة لوزارة المالية أسوة بمديرية الحج نفسها، وقامت بجهود إعلامية، منها إصدار مجلة «النداء الإسلامي»، التي رأس تحريرها مصطفى أندر قيري، وكانت تحرر باللغة العربية والملاوية (1356هـ) وتطبع في مكة أو في إندونيسيا أحيانًا، حيث كانت تهدف إلى تقوية العلاقة بين الشباب السعودي والشباب الإندونيسي. كما قامت تلك المصلحة بطباعة العشرات من الأدلة الإرشادية عن الحج ونفقاته والتسهيلات المتوافرة من أجله، ونسقت سنة 1357هـ جهود إنتاج فيلم الحج الذي ظهر فيه الملك عبدالعزيز -يحيط به عدد من أنجاله- يلقي كلمة موجهة إلى عموم المسلمين. ويبدو أن تلك المديرية أو المصلحة، قد دمجت لاحقًا مع مديرية الحج، بعد أن أدت الغرض من إنشائها، فلقد ذكر خير الدين الزركلي اسم «مديرية الحج والدعاية له» ضمن تشكيلات وزارة المالية، والتي عملت (سنة 1366هـ) على إصدار مجلة «الحج»، وتطبع بعدة لغات، من بينها الملاوية.
هذه قصة مبعثرة لإنشاء مجلس الدعاية للحج، والمرجو أن تسعى وزارة الحج في جهودها التوثيقية بمناسبة الذكرى المئوية، لتتبع المزيد من المعلومات عنه، وبخاصة فيما يتصل بعلاقته مع مديرية الحج، ومجلة «النداء الإسلامي»، وإصدار مجلة «الحج»، والجهود الإعلامية والدعوية التي بذلت في بلدان إسلامية أخرى، وبشكل خاص في الهند ومصر، والتي تمت جميعها في عهد الملك عبدالعزيز وبتوجيهه، رحمه الله.
قصة، تفسر سبب قيام الإذاعة السعودية، فور افتتاحها في حج عام 1368هـ بإنشاء إذاعتين موجهتين للناطقين، محليًا وخارجيًا، باللغتين الإندونيسية (الجاوية) والأردية المستخدمة في شبه القارة الهندية، كما تفسر الترابط بين مديريتي الإذاعة والحج، لدرجة أنهما دمجتا في مديرية واحدة عام 1372هـ ولعامين تقريبًا، وذلك بأمر ولي العهد آنذاك الأمير سعود، رحمه الله.
1999*
* باحث وإعلامي سعودي «1944-2019».