في خضم توجه متزايد نحو ترميم المباني التاريخية، وعلى الأخص الطينية منها، طالب مختصون في العمارة والآثار بضرورة التمييز وتوضيح أجزاء المباني التي حافظت على بنيانها الأصلي، وتلك التي يعاد إنشاؤها أو هيكلتها، معتبرين أن الأمر يدخل في باب الأمانة العلمية الضرورية واللازمة والتي تعد بمثابة وثيقة تاريخية لا بد منها على الأخص بالنسبة للأجيال المقبلة لتمييز ما هو قديم وأصيل، وما هو مدخل أو منشأ في أزمنة لاحقة.

وتساءل هؤلاء المختصون:

هل يفقد المبنى الطيني التاريخي الأصالة، بعد إعادة الإعمار؟.


وهل يعود المبنى إلى وضعه الأصلي «الأساسي» بعد تعرضه للانهيار أو سقوط أجزاء منه؟.

إيكوموس

أكد الباحث المعماري في المباني التاريخية المهندس أحمد الفريدة لـ«الوطن»، أن المادة الطينية، من أهم مواد البناء الخام، لذلك يجب تكثيف الأبحاث والتجارب عن طريق مراكز أبحاث متخصصة في المادة المستخدمة لترميم مبانيها.

وأوضح أن المادة الطينية باتت حديث كثير من المواثيق والمؤتمرات العالمية المتخصصة في المباني التاريخية، وكذلك المجلس العالمي للمعالم والمواقع «ايكوموس»، للحفاظ على أصالتها وإبرازها، ومراجعة لمفهوم الأصالة وآراء الخبراء وبناء على الاتفاقيات والوثائق الدولية يجمع الجميع على أهمية الأصالة في عملية الحفاظ على المواقع التراثية حسب ميثاق البندقية (1964)، وهو أول وثيقة دولية ناقشت مفهوم الأصالة في مجال التراث الثقافي، والتي ظهر موضوع الأصالة فيها في ديباجة ميثاقها.

4 معايير

يذكر الفريدة أن تعريف الأصالة بناء على ميثاق البندقية هو الذي يشير إلى الطابع التاريخي، وكيف يتم إبطاء عملية تآكل وتحلل الممتلكات التراثية سواء المباني أو غيرها، والتركيز على المباني ذات المواد الأكثر متانة مثل (الحجر والطوب)، وهناك 4 معايير رئيسية لتقييم الأصالة في المباني التراثية، وهي التصميم، المواد، الحرفة «الصنعة»، طريقة التأهيل، ويجب مراعاة تلك المعايير حتى لا تفقد تلك المباني قيمتها التاريخية والأصيلة.

وأضاف «نسيان الأصالة بمرور الوقت، على الرغم من أن الجانب المادي للتراث، يشهد تغيرات تدريجية بوعي أو بغير وعي، وبمرور الوقت في الثقافات المختلفة، يستمر الارتباط بين الذاكرة والأصالة»، لافتاً إلى أن«الأصالة في بعض الأماكن ترتبط بالحنين للمكان وعناصر أخرى ليس لها علاقة بالبناء».

زلازل وأعاصير وحروب

أشار رئيس جمعية علوم العمران في الأحساء المهندس عبدالله الشايب لـ«الوطن»، إلى أن البعض يسجل المباني التاريخية على أنها أثرية، بيد أن المباني الأثرية، لها ضوابط كثيرة من بينها: عدم التغيير فيها، وهناك لوائح وأنظمة لحماية المباني التاريخية، موضحاً أن المباني التاريخية تتعرض لانهيارات مختلفة من بينها: عوامل الطبيعة كالزلازل والأعاصير، أو بعوامل الإنسان كالحروب، والمباني التاريخية على إطارين، هما: مبان من مواد صلبة مقاومة للعوامل الطبيعية كالأحجار، ومباني بمواد «هشة» كالمباني الطينية، وهي تتأثر بالعوامل الجوية، وللحفاظ عليها يجب ألا تتغير عن طبيعتها الأساسية، التي بنيت من أجلها مهما كان هناك تقادم للزمن، وتوضع كراسات لصيانتها وقائياً، أو إعادة الأجزاء التي تعرضت للسقوط».

4 أطر

أضاف الشايب أن هناك 4 أطر متعلقة بصيانة وإعادة ترميم المباني التاريخية، وهي:

01- المواد: اختيار المواد التي توائم أو توزاي المواد نفسها التي بنيت بها هذه المباني التاريخية، ويتطلب ذلك عملاً دقيقاً خاصة في الوضع الحالي، من إزالة لكثير من المواقع بسبب الغطاء الحضري الذي يغطي مواد تلك المباني، موضحاً أن كثيرا من المواد مرتبطة بالمنتجات الطبيعية كالأخشاب، وقد لا يوجد حالياً من يقوم بنجارة تلك الأخشاب المختلفة، أو ربما لا تتوفر تلك الأشجار، أو موضوع سلسلة الإمداد التي تتعلق باستيراد المواد المختلفة مثل النحاس وبعض الأخشاب وبعض المواد الأخرى.

02- البحث في الجغرافيا المحيطة بالمبنى التاريخي، وإجراء اختبارات السطحية بمعرفة الخبراء عن المواد، لمعرفة المواد الموجودة سابقاً والمواد الموجودة حاليا كمقالع الأحجار أو الطين، الذي يختلف من جغرافيا إلى أخرى، وبالتالي فإن تحديد هوية تلك المواد مهم جداً لتحقيق الترابط بين ما تبقى من المبنى وبين المبنى المضاف حالياً.

03- الكوادر العاملة والمؤسسات المتخصصة: يشترط امتلاك الخبرة في طريقة الإنشاء المرتبطة بالمواد للاستخدام، وطريقة الأداء أثناء الاستخدام، والمدة التي تأخذها للوصول إلى أقصى غاية ليكون المنتج ناضجا وجاهزاً للاستخدام.

04- الخبرات: التأكيد على الإشراف من قبل خبراء في نوعية المباني المختلفة سواء المباني الطينية أو الحجرية، مع متابعة التماثلية والتجانس في المباني والترابط مع بقية المبنى القائم.

قدرة الاستيعاب

يشدد الشايب على أن سقوط جزء من مبنى تاريخي أمر يثير القلق، ويتطلب إعادة الترميم، مضيفاً أن «هناك عدة بنود لتحديد أصالة المبنى تاريخياً، وهي: تاريخية الموقع من حيث الأحداث والاستخدامات، وكذلك من خلال اقتدار أهل المنطقة في إنجاز مبنى يوائم طبيعة الاستخدام، كالقلاع والمدارس والحمامات والقصور والمساجد، كما أن بعض المواقع تعد ذات أهمية تاريخية وليس فيها مبانٍ»، مبيناً أن «الأصالة مرتبطة بتاريخية الموقع وهو شيء غير ملموس، وإنما تنمو مع الوقت في داخل الوجدان بزيارة هذه الأماكن أو إعادة تأهيلها، وإضافة بعض الاستخدامات التي تجعل منها حية للاستخدام، من خلال فتحها للجمهور، وإقامة المهرجانات»، مشدداً على «ضرورة مراعاة»قدرة الاستيعاب في المباني الطينية، وتقنين عدد المستخدمين في الوقت الواحد، لأن ذلك يؤثر على المبنى نفسه، وخاصة في فصل الصيف الذي تكون سطوح هذه المباني هشة وقابلة لتفتت ذرات الطين، وفي الأدوار العليا تكون قدرة التحمل لأعداد المستخدمين أعلى تحملا من الأخشاب في الأسقف، ولاستدامة المباني التاريخية، استمرارية الصيانة الوقائية، التي قد تمنع كثيرا من كوارث السقوط والانهيارات».

معايير لتحديد أصالة مبنى

1ـ التصميم

2ـ المواد

3ـ الحرفة «الصنعة»

4ـ طريقة التأهيل