أشخاص هذه الجريمة التي تجاوزت كل الحدود معروفون بالاسم إذ إن أوراق التحقيق تتضمن أسماء بعضهم فيما احتفظت السلطات الأميركية بأسماء آخرين. ومن بين من نشرت أسماؤهم منصور اربابسيار وعلي غلام شاكوري. الأول مواطن أميركي من أصل إيراني يعمل لحساب استخبارات الحرس الثوري الإيراني والآخر هو مسؤول في فيلق القدس بهذا الحرس. "الوطن" حصلت على لائحة الاتهام الموجهة ضد الإيرانيين اربابسيار وشاكوري، وهي تتضمن اتهامات لعدد آخر من المتآمرين بينهم ثلاثة: الأول مسؤول كبير بالحرس الثوري والثاني أحد قيادات فيلق القدس كل ما عرف عنه أنه ابن عم منصور وأنه لا يعمل بإيران وأنه مطلوب من أجهزة الأمن الأميركية وقد يكون اسمه مدرجا في قوائم من شملتهم العقوبات، والآخر هو قيادي آخر من قيادات فيلق القدس لم تكشف عنه تفصيلات كافية.
وتتلخص فصول هذه المؤامرة طبقا للأوراق الرسمية للاتهام في أن منصور تمكن من توثيق علاقته بعضو في أخطر كارتل للاتجار في المخدرات وهو كارتل "زيتا" الذي يرعب اسمه أبناء المكسيك لاسيما من يعيشون في المناطق الحدودية مع الولايات المتحدة حيث ينشط الكارتل. وفي مارس الماضي توجه منصور إلى إيران حيث التقى مع شاكوري ثم عاد إلى الولايات المتحدة في مايو. بيد أن الشاب الإيراني توجه بعد ذلك إلى مدينة هيوستن بتكساس ومنها إلى مدينة حدودية تدعى ماكلين ثم منها عبر الحدود إلى مدينة رينوزو التي تقع تحت السيطرة الكاملة لكارتل زيتا في 23 مايو ثم توجه للالتقاء بعضو الكارتل الذي يعرفه في اليوم التالي.
التفجير بمادة "سي 4"
وخلال اللقاء سأل منصور عضو الكارتل عما إذا كان "زملاؤه" على دراية بالمتفجرات. ورد عضو الكارتل بالإيجاب وسأل منصور عن مدى درايتهم بمادة "سي 4" بالتحديد فرد عضو الكارتل بالإيجاب وتساءل عن السبب في كل تلك الأسئلة فقال منصور إنه مهتم بعملية ما في واشنطن. وسأل عضو الكارتل عن طبيعة العملية فقال منصور إنها اغتيال سفير السعودية في الولايات المتحدة. وقال عضو الكارتل إنه لا مشكلة في ذلك طالما أن الثمن سيكون مناسبا فوعد منصور بالالتقاء معه مرة أخرى في وقت قريب.
وفي 23 يونيو عاد منصور إلى المكسيك مقبلا من حيث يقيم في نيويورك. وبدأ مسلسلا من الاجتماعات مع عضو الكارتل خلال فترة امتدت إلى نحو أسبوعين شرح خلالها منصور تفصيلات ما يريد.
المشكلة هنا هي أن عضو الكارتل كان في حقيقة الأمر يعمل أيضا لحساب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي. وقام عضو الكارتل بإبلاغ الأميركيين الذين طلبوا منه تسجيل لقاءاته مع منصور. وخلال الاجتماع قال عضو الكارتل إنه سيحتاج إلى أربعة أشخاص للقيام بمهمة "التخلص من السعودي". وتابع العضو "العملية ستكلفكم 1,5 مليون دولار".
وطلب منصور فسحة من الوقت للتشاور ثم عاد في اليوم التالي ليوضح لعضو الكارتل أن المبلغ المطلوب مقبول ولكن مقابل قتل السفير السعودي وتفجير السفارة الإسرائيلية في واشنطن وكذلك سفارتها في بيونس آيرس بالإضافة إلى السفارة السعودية هناك أيضا. وقال عضو الكارتل "دعنا نبدأ أولا بالمهمة الأولى. ما هو الأمر الأول الذي تريدون القيام به؟". فقال منصور "السفير السعودي".
الأموال ستأتي من إيران
وسأل منصور عن الكيفية التي يريد بها عضو الكارتل دفع الفاتورة فقال العضو إنه سيعطيه في نهاية الاجتماع تفصيلات ذلك. وفي نهاية الاجتماع قال منصور إن المبلغ سيأتي من إيران وإنه أبلغ بأنه سيصل إلى شخص معين. واتصل منصور بالشخص فقال له إن المال وصل إلى منزله في التاسعة من صباح ذلك اليوم. وقال منصور إن المبلغ سيكون 100 ألف دولار كمقدمة لحين إتمام العملية وإنه يفضل أن يرسلها لعضو الكارتل على هيئة تحويلات كل منها بعشرة آلاف دولار لحساب مختلف في كل مرة.
وخلال الحديث قال منصور لعضو الكارتل إنه يتمتع بصلات قوية في طهران وإن ابن عمه مطلوب امنيا في الولايات المتحدة وأضاف "إنه شخص مهم في الجيش.
إنه جنرال. وقد ذكرت "سي إن إن" اسمه ذات مرة. إن الجيش يتألف من أجزاء وهو يعمل في الجزء المتخصص بخارج البلاد. إنه لا يرتدي ملابس عسكرية ولا يحمل سلاحا وقد قام بأعمال كثيرة في العراق". وفي نهاية الاجتماع اتفق الاثنان بصفة نهائية على البدء بالسفير السعودي في واشنطن.
المهم أن يقتل!
وفي 17 يوليو التقى الاثنان مجددا. وقال عضو الكارتل إنه بدأ يجمع المعلومات عن السفير بالفعل وأظهر صورة للسفير وسأل منصور "هل هو الشخص المقصود؟". فقال منصور "نعم إنه هو". وقال عضو الكارتل "إن رجلي هناك يراقبه عن كثب ويجمع عنه المعلومات. إنه يذهب للعشاء في مطعم مرتين في الأسبوع تقريبا وله حراسة تتكون مما يتراوح بين 7 و8 أشخاص. ولكن ماذا يريد ابن عمك بالضبط؟ كيف؟". وقال منصور "المطلوب قتله. أما كيف فهذا أمر تحددونه أنتم".
ورد عضو الكارتل أن قتله في المطعم يمكن أن يؤدي إلى ضحايا كثيرين فهل تريدوننا أن نقتله في المطعم أم في خارجه فقال منصور "لا يهم. أحيانا كما تعلم ليس هناك اختيارات. صحيح؟". فقال عضو الكارتل "صحيح". ورد منصور "المهم هو أن يقتل".
وحين سأل عضو الكارتل عما إذا كان منصور يضمن ابن عمه وعما إذا كان المبلغ سيدفع وعما إذا كان منصور نفسه يقبل أن يبقى في المكسيك كضمان لدفع المبلغ حتى يتم دفعه، قال منصور "ان ابن عمي لا يعمل بصورة شخصية. إنها سياسة. إنها ليست حكاية شخصية. إنه (أي ابن عمه) يجد الحكومة من خلفه. إنه لا يدفع من جيبه. وفي نهاية الاجتماع أعطى عضو الكارتل رقما لحساب مصرفي إلى منصور.
وأخذ منصور يتحدث بعد ذلك عن سطوة ابن عمه واصفا إياه بانه "مثل الكولونيل" يأمر فيطاع وأنه دفع نفقات رحلته وكان منصور يقصد كما سيتضح لاحقا علي غلام شاكوري. وعاد عضو الكارتل ليسأل عما إذا كان منصور يعي أن قتل السفير بهذه الطريقة يمكن أن يتسبب في مقتل المئات. فرد منصور بكلمة نابية. ورد عضو الكارتل قائلا "سأفجره أو أطلق عليه الرصاص. هل يهمك طريقة معينة؟". فأجاب منصور "كلا. المهم أن يقتل. الطريقة الأسهل لك. الطريقة الممكنة".
وفي 20 يوليو غادر منصور المكسيك وفي أول أغسطس تم تحويل مبلغ 50 ألف دولار من شركة وهمية في بلد أوروبي إلى رقم الحساب الذي تركه معه عضو الكارتل. وفي 6 أغسطس تحدث عضو الكارتل على الهاتف مع منصور وسأله عن "النصف الثاني" أي الـ50 ألف دولار الأخرى فقال منصور إنه أرسلها أمس. وبالفعل تسلم عضو الكارتل في حسابه مبلغ 50 ألف دولار في 9 أغسطس.
وفي 2 سبتمبر اتصل منصور بعضو الكارتل وسأله "هل بدأتم في طلاء المنزل؟". فقال عضو الكارتل "نحن لا نزال نعمل". وقال منصور "أنت تعلم أنه فور انتهاء الطلاء فإن الباب سيكون قد فتح بالفعل. ستكون الخزنة قد فتحت.
لن يكون لديك ما تقلق بشأنه بعد ذلك ابدأ". وفي 12 سبتمبر حدث اتصال آخر قال فيه منصور لعضو الكارتل "الرقم سيبقى كما هو أي واحد ونصف. لو أتممت المهمة الأولى فسوف أرسل لك بقية الحساب كاملا. نريد المرة الأولى فقط كنجاح في الاختبار. الأرقام الباقية ستأتي بعد ذلك".
وفي 20 سبتمبر حدث اتصال آخر قال فيه عضو الكارتل لمنصور "إنني مستعد الآن لإتمام طلاء المنزل.
ولكن حتى أفعل ذلك أنا محتاج لنصف المبلغ أو لوجودك أنت شخصيا هنا". والمعروف أن الكارتل يطلب في هذه العمليات إما قسطا كبيرا من المبلغ المتفق عليه أو وجود الشخص المعني كضمانة للدفع الكامل.
وقال منصور إنه سيأتي إلى عضو الكارتل بنفسه كضمان. وأضاف "سآتي خلال يومين أو ثلاثة أيام. جهز كل شيء".
وفي 28 سبتمبر سافر منصور إلى المكسيك غير أن السلطات المكسيكية بالاتفاق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي رفضت دخوله أراضيها. وعاد منصور إلى نيويورك حيث اعتقل في مطارها. وبعد اعتقاله بدأ منصور يتحدث بإسهاب عن تفصيلات المؤامرة. وقال منصور إن من رتب كل شيء هم عدد من قيادات فيلق القدس. وقال إن ابن عمه فاتحه في الموضوع حين كان (أي منصور) في إيران في مارس 2011 وإنه طلب منه خطف السفير باستخدام معارفه الذين يتنقلون بين المكسيك والولايات المتحدة ويعمل بعضهم في تجارة المخدرات.
وقال منصور إنه التقى بشاكوري مرات عديدة في إيران وإنه أبلغه بمعرفته بعضو الكارتل فطلب شاكوري من منصور أن يسأل عضو الكارتل إذا كان بإمكانه أن يسافر إلى خارج المكسيك وأنه فعل ذلك ولكن عضو الكارتل قال له إنه لا يسافر خارج المكسيك.
كلمة السر: الشيفروليه جاهزة
وطلب المحققون من منصور أن يتصل بشاكوري دون أن يبلغه أن السلطات الأميركية اعتقلته واتصل منصور بالفعل وقال شاكوري أثناء المكالمة "ماذا حدث بشأن البناء؟". وقال منصور إن العمل جار وإنه سينتهي قريبا.
وفي 5 أكتوبر دارت مكالمة أخرى قال فيها منصور "أردت أن أبلغك أن الشيفروليه جاهزة. هل يجب أن أستمر؟". وكانت كلمة شيفروليه ترمز إلى السفير السعودي في واشنطن. وقال شاكوري "طبعا طبعا طبعا".
ثم سأل"أنت تعني أنك ستشتريها كلها؟". في إشارة إلى كل العمليات المطلوبة أي السفارات والسفير. فقال منصور "لا أعرف حتى الآن ولكن الشيفروليه جاهزة الآن". فرد شاكوري "جيد عليك أن تشتريها الآن.
اشترها الآن. اشترِ كل شيء". ورد منصور "الولد يريد 50 أخرى". فقال شاكوري الذي كان يعتقد أن منصور سيذهب كضمانة بنفسه "بالإضافة إليك؟. كلا. ما وصله كان كافيا. قل له أن يشتري السيارة لنا أولا ثم يأخذ بقية المبلغ. لقد تأخر الوقت. اشترها لي بسرعة".
وفي 7 أكتوبر اتصل منصور بشاكوري مرة أخرى وقال له "هذا المكسيكي مصمم. أنه متمسك بهذا الأمر. وهو يقول أريد 50 أو لن أقوم بالمهمة إذا لم تدفعوا لي.
ماذا أقول له الآن؟". ورد شاكوري "لا أعرف. لقد ضمنت لي الموضوع بنفسك". وتشعب النقاش إلى ما إذا كان المبلغ سيضيع أم لا ثم سأل منصور "إنه يلح. ماذا أقول له؟". وقال شاكوري "حسنا. سأناقش الموضوع معهم اليوم لأرى ما سيقولون".
ولم تتح الفرصة لمنصور كي يعرف ما قالوه. فقد أعلنت واشنطن عن كشف القصة بعد أن تجمعت أدلة دامغة بالتسجيلات الصوتية والمصورة لنقاشات منصور مع عضو الكارتل ولمناقشاته مع شاكوري لتتضح أبعاد القصة التي وصفها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية بأنها أغرب من أحد أفلام هوليوود.