في بعض الأحيان نلتقط وبالصدفة المحضة مفارقة صارخة..الصورة الملتقطة قد تكون غير ناطقة لكن بمجرد وضع الأشكال الصامتة والمتناقضة في مقارنة معيارية سيجبر الشكل العام على البوح بكل أسراره..في إجازة الربيع الماضية كنت في رحلة برية ربيعية بمحافظة حفر الباطن. مررت أثناء الرحلة بقرية صغيرة جدا اسمها "الفاو الشمالي" تبعد عن مدينة حفر الباطن بحوالي عشرين كيلو مترا. في هذه القرية البعيدة ذات المراعي الغنية لا تميز معالم ذات أهمية سوى مدرستين ابتدائيتين إحداهما للبنين والأخرى للبنات يفصل بينهما أرض فضاء وطريق ترابي ضيق لكن التباين بين المدرستين كبير جدا فمدرسة البنين ذات المبنى الحكومي الجميل يقابلها على الطرف الآخر مبنى مدرسة البنات الصغير والمتواضع جدا وهو مبنى مستأجر مكون من غرف قليلة وساحة ضيقة مغطاة بمظلة من الزنك هذا الوضع يبث للناظر صورة من التفرقة بين الجنسين.. وزارة التربية والتعليم ترعى الجنسين ومسؤولة عن تحقيق العدالة بينهما لكنها مازالت تطبق سياسة ما لا يصلح للبنين يحول للبنات؟ المبانى القديمة للبنات والمقاعد المستهلكة لهن هذا الوضع أعادني للماضي وذكرني بالسياسة السائدة التي كانت تطبقها التنظيمات البيروقراطية الذكورية آنذاك. المدن ليست بأحسن حالا من القرى فمازلنا نتذكر الحريق الهائل الذي شب قبل سنوات في مدرسة بنات ابتدائية بمكة وأدى لوفاة عدد من الطالبات الصغيرات البريئات.. وفي العام قبل الماضي أكد تقرير هندسي صادر من إدارة تعليم البنات بالرياض عدم صلاحية مجموعة من المدارس كون معظمها آيلا للسقوط وأوصى بضرورة إخلائها دون إبطاء خوفا على حياة الطالبات.. وقبل بدء اختبارات هذا العام أشعرت إدارة تعليم البنات بجازان طالبات مدرسة الروابي بنقل اختباراتهن إلى مدرسة أخرى مجاورة بعد أن أثبتت تقارير هندسية خطورة المبنى!..
معالي السيدة نورة الفائز نائبة وزير التربية والتعليم هل شاهدت في جولاتها على المناطق مباني مدارس البنات وأوضاعها السيئة.. أم أنها اكتفت بالمدارس التي تم اختيارها فقط؟ وهل ستقدم لبنات جنسها ما عجزت عنه الإدارات الذكورية المتعاقبة؟.. وهل تليق تلك المباني المتهالكة والمتواضعة بالمرأة التي من "زود حرصنا عليها" نعدها درة مكنونة وجوهرة مصونة؟! أم أن الكلام شيء والفعل شيء آخر؟