بهذه الأيقونة اللافتة، يستهل الدكتور مصطفى حجازي كتابه «الإنسان المهدور»، الذي يوضح مضمونه عنوان فرعي يقول «دراسة تحليلية نفسية اجتماعية»، ملخصا بحثه في عبارة «كل إنسان مهدورٍ سيهدر ما عداه من ناس ومؤسسات وموارد».
تبعية الغرب
يحدد مصطفى حجازي في كتابه الذي يواصل به مشروعه في تفكيك مفهوم جديد هو الإنسان المهدور، المسافة بين التقدم والتنمية، رابطا ذلك بحجم التخلف الذي يراكمه قهر الإنسان، ذاهبا إلى أن العالم العربي يعاني من قصور شديد في دراسات علم النفس التي تتعرض لقضايا الإنسان العربي ووجوده، مرجعا ذلك لأسباب عديدة منها أننا مازلنا تابعين «لعلم النفس الغربي الذي نشأ وتطوّر لخدمة احتياجات المجتمع الصناعي في الغرب تحديداً»، مذكرا بمحدودية الهامش الذي يتحرك فيه الباحث العربي، حيث المحظورات التي تحول دون خوضه أدق التفاصيل لواقعه سواء الاجتماعي أو سواه.الوعي بالذات
يتناول حجازي أشكال الهدر واختلافها، مشيرا إلى الهدر المالي وكيف يأخذ شكل الحروب التي تخاض من أجل الغلبة وفرض السيطرة، أبشع أنواع الهدر، مشددا على أن الإنسان تحديداً بمعنى التنكر لإنسانيته وعدم الاعتراف بقيمته وخصائصه وكيانه وحقوقه، يمثل الهدر الرئيس، مؤكدا أن هذا الهدر حالة ليست نادرة تتفاوت من إباحة إراقة الدم في فعل القتل أو التصفيات كحد أقصى إلى سحب القيمة والتنكر لها، مما يفقد الكيان الإنساني مكانته، خاصة عندما يتخذ الهدر شكل عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات أو الحق في تقرير المصير والإرادة الحرة، حتى الحق بالوعي بالذات والوجود مما يفتح السبيل أمام مختلف ألوان التسخير والتحقير وإساءة الاستخدام.مظاهر الاستهلاك
لا يتردد حجازي في الجهر بأن الهدر العام قد يصيب الوعي الإنساني عند المحرومين مادياً كما عند الميسورين أو حتى المترفين. ذاكرا أن ذلك ما تحاوله العولمة من خلال إغراق جيل الشباب في عالم الإثارة والمتع الحسية ومظاهر الاستهلاك الآني، مزينة إياها على أنها غاية المنى في تحقيق الوجود وامتلاء الكيان ودلالته، قائلا: ألوان الهدر العام تفرض الموت الكياني فكيف يمكن عندها الحديث عن التنمية والإنماء والتحرير وصناعة المصير والمكانة بين الأمم.ملحا في نهاية كتابه على أهمية أن ينهض الإنسان المهدور من محنته ويجابه كل التحديات والأخطار ودخول عالم الأقوياء، والعمل على التفكير الإيجابي وتجنب الانفعالات والعواطف ومحاولة الاستمرار في حياته اليومية والتأقلم مع مجتمعه الداخلي والعالم.