لم يكن مفاجئا للعابرين في شوارعنا القديمة رؤية قطعة قماش مربوطة على باب أحدهم، أو رؤية قطعة كرتون معلقة، أو حجر صغيرة مركون جانب الباب، أو حتى ورقة ملصوقة به مكتوب عليها «حضرنا ولم نجدكم».

كانت تلك وغيرها من العلامات التي يتركها سابقونا من زمن الطيبين على أبواب الآخرين حين يأتون إلى زيارتهم فلا يجدونهم في منازلهم.

لم يكن في ذلك الوقت وسائل اتصال متقدمة، ولا وسائل تواصل اجتماعي، ولم يكن مطلوبا، وربما أو مستساغا أن يطلب أحدهم الإذن لزيارة الآخر، ولا أن يحدد له موعدا، على الأخص حين تكون العلاقة بينهما بعيدة عن الرسميات، على عكس الحال اليوم، حيث بات الجميع بحاجة للاتصال المسبق والاستئذان والترتيب للزيارة التي بدأت تتخلى عن عفويتها.


ويرى كثيرون أن ظهور التقنية ووسائل التواصل غير كثيرا من العادات، ومن جملتها عفوية الزيارة التي باتت اليوم بحاجة إلى الاستئذان والإعلام المسبق.

الاستئذان ضرورة

يقول علي ناشر أصبح الاتصال وأخذ الإذن بالزيارة في وقتنا هذا من الضرورة بمكان، ويدخل ضمن «فن الإتيكيت» السائد بين العوائل والأسر لأسباب تتعلق بمقتضيات الارتباط المسبق وكثرة الانشغالات وغيرها.

ويستذكر ناشر زمن ما قبل ثورة الاتصالات، وأيام كانت جدران المنازل متلاصقة والبيوت متقاربة، والقلوب متآلفة، حيث كان يتم تبادل الزيارات بين الناس دون تكلف، ولم تكن الارتباطات والتعقيدات تمنع الجار من زيارة جاره دون إذن مسبق، ولم يكن يسمع حينئذ إلا الترحيب وطيب الكلام وحسن الاستقبال وبساطة المعيشة.

أهمية العلامة

يضيف ناشر: كانت هناك عادة ربط قطعة قماش أو حبل أو ما تيسر من موجودات على باب أحدهم حين يأتي من يزوره فلا يجده.. كان ذلك بمثابة إعلام وإثبات للحضور، وكان نوعا من الفكاهة، فيبادر واضع العلامة حين يلتقي صاحب البيت في وقت لاحق بالقول"حطيت لك في الباب مارية"، أي وضعت علامة، وفيها تأكيد على أنه زاره في وقت بعينه ولم يجده.

ويكمل "تغيرت الأحوال الآن، فباتت رسائل الجوال أو أحد التطبيقات أداة لا بد منها لحجز موعد، أو حتى إرسال سبب الزيارة، ما أفقد الزيارة حلاوة مفاجأتها".

بساطة الماضي

يستذكر عوض آل راكة بدوره ذلك الوقت الذي سبق انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول «كان تبادل الأفكار عبر المراسلات يأخذ وقتاً طويلا.. لقد كان ماضيا جميلا في بساطته وتفاصيله، خصوصا التواصل والزيارات بين الأهل والأقارب والأصدقاء، وكان وضع العلامات على الأبواب هو الوسيلة الوحيدة التي يتم إبلاغ من حضر الآخرون لزيارته فلم يجدوه، وكانوا يتعاتبون فيما بينهم إذا تقابلوا في مناسبات أو في أماكن عامة، بعدم الزيارة، حيث كانوا يقولون زرناكم ولم نجدكم، وبالمارية أي العلامة ربطنا على الباب قطعة قماش أو كرتون بحيث تكون دلالة على الزيارة وإثباتها».

عناء ملحوظ

يرى المستشار في التنمية الأسرية أحمد محمد السعدي، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية التنمية الأسرية بمحافظة شقراء أنه قبل انتشار الهواتف، ومن ثم الجوالات كانت هناك معاناة في زيارة الأقارب والأحباب والأصدقاء، وكان يمكن أن تقطع مسافات كبيرة حتى تصل إلى صديق أو قريب لزيارته، لكن عدم معرفتك بإمكانية وجوده من عدمه في المنزل يشعرك بأن جهدك قد أهدر، وكان الزائر يثبت حضوره وكأنه يرفع عن نفسه العتب بكتابة عبارة ـ حضرنا ولم نجدكم ـ أو بوضع قطعة قماش يعقدها على الباب علامةيبلغ فيها أهل المنزل أن أحدا ما جاء إلى زيارتهم.

ميزة

لا يرى السعدي في وسائل التواصل والتقنية أمرا سلبيا، بل يرى أنها أفادت في تعزيز الأواصر، فيتم استخدام خريطة السناب، وإرسال الموقع، والوصول عبر الخرائط، بل ومكنت تلك الوسائل حتى من جمع المتباعدين باتصالات مرئية ومسموعة، وعد هذا من «نعم الله سبحانه وتعالى».

ووصف السعدي العلامات التي كانت توضع على الأبواب سابقا بأنها الطريقة الوحيدة لإبلاغ الآخرين بأن هناك من جاء لزيارتهم، وهو يرى أن الإبقاء عليها الآن في وزمن انتشار التقنية سيكون أمرا مضحكا للغاية وبلا فائدة.

ويعتقد السعدي أن بعض عادات أيام زمان لم تعد تصلح اليوم، وهذا من طبيعة الحياة المتغيرة، والتي يتم خلالها تغيير أشياء كثيرة، أو الاستغناء عن أشياء وإحلال أخرى بدلا منها.