أوضح أستاذ التاريخ المساعد بجامعة القصيم، الدكتور تركي الحميدان، أن موسم حج هذا العام 1443 يمثل موسمًا لافتًا للمشتغلين في التاريخ، إذ هو الموسم رقم مائة منذ دخول الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- مكة المكرمة، التي دلف إليها في الثامن من جمادى الأولى عام 1343هـ، وهذا يعني مرور قرن من الزمان، على دخول أقدس بقعة على وجه الأرض ضمن ملك هذه اليد الأمينة.. ويا له من قرن غير فيه الملك عبدالعزيز خلال شهور ما كان سائدًا إبان دهور.

وأضاف: كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قد دخل مكة المكرمة محرمًا بالعمرة، ملبيًا بها، شاكرًا لربه -سبحانه- هذا الفوز الكبير، ودخل -رحمه الله- مكة لا بعقلية القائد العسكري المنتصر، بل بعقلية المستحضر لهذه الأمانة العظيمة، عقلية من يحمل بين جنباته عقيدة صافية، جعلته على بينة في التفريق بين الصواب والخطأ، وعقلية المتسامح الكريم مع ما فات، المحاسب العادل على ما هو آت، عقلية المحتضن لكل ما هو جيد، المزيل بحكمة وعدل لكل ما هو خطأ، وعقلية جمعية لا فردية، تسعى لجمع الكلمة، وتعمل من أجلها، ولهذا كله شرع منذ الأيام الأولى لدخوله مكة في سن الأنظمة، والبدء بالإصلاحات التي لم تقتصر على ناحية واحدة من نواحي احتياجات أهل مكة ومن يفد إليها من المعتمرين والحجاج، بل شملت كل مرفق يحتاجه هؤلاء وأولئك.

وأضاف «الحميدان»: في مجال الأمن اهتم الملك عبدالعزيز بهذا الجانب أيما اهتمام، إذ كان المسلم الذي يفد للحج والعمرة يودع من قبل ذويه، وهو بمثابة المفقود، ومن يعود لأهله سالمًا بمثابة المولود، وقد تطغى تهنئته من قبل مستقبليه بسلامة الوصول أكثر من التهنئة له بأداء الركن الخامس من أركان الإسلام ورجاء غفران ذنوبه..


ومن اللافت أن الملك عبدالعزيز لم يؤجل جانب الأمن حتى يدخل ميناء مكة الرئيسي، ميناء جدة في حوزته، بل اهتم بهذا وهو في حالة حرب، فعندما قرب موسم حج 1343هـ وجيشه محاصر لمدينة جدة، اهتم لهذا الأمر وأعد له عدته، فبادر بالسيطرة على الموانئ التي تخدم الحجاج غير ميناء جدة، وأمن الطرق منها إلى مكة، وأعلن للعموم أن الموانئ والطرق آمنة لاستقبال الحجيج، كما أنه وهو في حالة حرب، قد حرص على عدم تفويت موسم الحج على نفسه ومن كان معه من المحاربين، إذ أذن لمن يرغب منهم في أداء النسك، وبالفعل شهد موسم الحج في العام الأول من حكم الملك عبدالعزيز لمكة موسمًا هادئًا آمنًا.

وكتب بعض من قيض الله له أن يحج موسم 1342، وموسم 1343 بإعجاب عن التغير الأمني الكبير الذي حصل خلال شهور، ثم بنى ملوكنا من أبناء الملك عبدالعزيز حتى يومنا هذا عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان على ما كان الملك عبدالعزيز قد أرسى قواعده، ولم يترددوا في استحداث كل ما يصب في صالح قاطني مكة، ومن يفد إليها حاجًا أو معتمرًا، حتى أضحى الآن الذكاء الاصطناعي منظمًا ومسيرًا ومسهلًا على المسلمين أداء هذا الركن العظيم من أركان الحج، ولا مبالغة إذا قيل إن الحج الآن أصبح متعة، فيما كان سابقًا مشقة ومهلكة.