هناك تفاعل بين الكاتب والقارئ يحدث ولو بشكل غير مباشر، هذا التفاعل يكون مدمجًا في الأسلوب اللغوي المستخدم في كتابة المقال، وبهذا فإن أي مقال يكون به شيء من التشويق الذي يسعى من خلاله الكاتب إلى كسب انتباه القارئ، وذلك ليواصل قراءة المقال من بدايته إلى نهايته.

على صعيد آخر، فإن هناك من المقالات ما يسعى الكاتب فيه إلى تغيير فكر معين لدى القارئ، بإقناعه بوجهة نظر مختلفة في قضية ما، وفي هذه الحالة فإن القارئ، لا محالة، سيكون في وضع غير معتاد عليه، وهو ما يدعوه إلى الخروج مما يعرف بدائرة الراحة (Comfort Zone)، وهي الدائرة الفكرية التي اعتاد القارئ على العيش داخلها.

الكتّاب المتمرسون في الإقناع يتبعون شيئا من الأساليب الفنية المعروفة، فعلى سبيل المثال هناك من يبدأ مقالته بجملة تجذب القارئ، أو بعبارة أخرى وكما وصفتها الكاتبة كارول ريتش (Carole Rich) في أحد كتبها، أن تكون بداية الجملة «تغوي» القارئ لمواصلة القراءة، ومن ثم تأتي بعد ذلك الفكرة التي يود الكاتب إيصالها، وهذه الطريقة تعد شائعة الاستخدام، وما هي إلا واحدة من عدد من الأساليب الإقناعية التي يلجأ إليها الكتاب.


إن إدراك القارئ لمحاولة الكاتب التأثير عليه تعد عملية في غاية الأهمية، وذلك لأنها تعطي القارئ الفرصة للتوقف قليلاً للتفكير فيما يطرح عليه من أفكار، ولذلك فإنه وكما أن للكتابة فنونًا، فإن للقراءة فنونا أيضًا.

اكتشاف محاولات تأثير الكاتب على القارئ بشكل آلي، يعد أحد المجالات التي للتو بدأت الأبحاث تنشر حولها، ومن هذه الأبحاث ما نشره البروفيسور بينو ستين (Benno Stein) مع فريق بحث مكون من باحثين وطلاب الدراسات العليا بعدد من الجامعات الألمانية، حيث درس الفريق البحثي إمكانية تصميم نظام يمكنه التعرف على أساليب الكتاب في الإقناع.

الفريق البحثي ولتقنين مجال البحث، قام بدراسة ظاهرة التأثير على القارئ في مجال المقالات الإخبارية التي يحمل فيها الكاتب فكر سياسي مخالف، وهدفوا من خلال هذا التقنين إلى اختبار فرضيتهم على نطاق محدود، محاولين لاحقًا توسيع دائرة البحث لتشمل مقالات عن موضوعات أخرى.

واستطاع الفريق البحثي بناء نظام ذكاء اصطناعي يعمل على تصنيف المقالات على مستوى الجملة والكلمة، وذلك لتحديد أسلوب وأيديولوجية وتحيز الكاتب، ومن خلال خوارزميتهم، يمكن للنظام من التعرف على التأثير المحتمل لذلك المقال على الكاتب.

وبرغم استخدام الفريق البحثي عدد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلا أن تعميم المشروع على موضوعات أو مجالات أخرى غير السياسة لم يعطِ النتائج المتوقعة.