لا أدري أيهما الخيار وأيهما الفقوس.. أحمد شفيق أم محمد مرسي، وبمعنى آخر، هل هي المؤسسة العسكرية العتيدة.. أم المؤسسة الحزبية الدينية العنيدة؟
ومع أنه لا حياد حقيقي تجاه مصر التي ينحاز إليها كل عربي بفطرته وعاطفته فإنني كمراقب للانتخابات المصرية لم أجد في قوائم المرشحين من أشعر أنه يمثلني، أو لنقل بشكل أدق، لم أجد من يجعلني أشعر أن مصر ماضية بحزم إلى التغيير.
لو كان لي حق التصويت لامتنعت عن التصويت لكل المرشحين، أو لربما أعطيت صوتي لمحمد سليم العوا فقط، لمجرد أنني أنجذب إلى أحاديثه الدينية التي أسمعها على فترات متقطعة، لكنني لم أكن لأصوت للفريق أحمد شفيق، لأنه استمرار الماضي، ومصر تتطلع للمستقبل. ولم أكن لأصوت لمرسي، لأنني لا أجد فيه كيمياء الانجذاب والجماهيرية.. هذا عدا أن حزب الإخوان يميل إلى نسق الحكومات الشمولية ومصر التي انعتقت من شمولية جثمت على كاهلها ستين عاماً أصبحت تريد الخلاص بحثاً عن التعددية.
أما بالنسبة للمرشح حمدين صباحي فلقد كنت دائماً ضد الناصريين والقوميين، ولم أجد على الأرض أي إنجازات للناصرية بقدر ما كانت فرقعات إعلامية جوفاء يحسبها الظمآن ماءً، ولهذا فقد كان التصويت لصباحي ارتدادا إلى الوراء، وهو الذي كسب أصوات الذين كانوا ضد العسكر وضد الإخوان، بحيث جمع كل الأصوات التي تسربت بعيداً عن معسكري الفلول والإخوان.
وهكذا فلم يكن بالإمكان حسم الأمر من الجولة الأولى، وصار على المصريين أن يحسموا أمرهم خلال نصف الشهر القادم، وليس أمامهم إلا شفيق أو مرسي.
أشعر كما لو أن الثورة المصرية قد خطفت من أيدي أولئك الذين صنعوها وأضرموها، كأن الثوار تولوا إزاحة النظام السابق ثم تولوا إلى ركن بعيد يراقبون ويتابعون ما يحدث دون أن يتدخلوا. وأخشى أنه قد فات عليهم أوان التدخل فقد حصحص الاختيار، ولم يعد لهم من خيار إلا الفريق العسكري أو الشيخ المرشد، ولم يعد عليهم جميعاً إلا أن يذعنوا لنتائج الصناديق.
لدي حدس أن أحمد شفيق سيوظف خبرته الراسخة في المؤسسة العسكرية، إضافة إلى الاتكال على فريق الحزب الوطني الحاكم السابق ليجيش ويحشد له الأصوات الحائرة التي لم تحسم أمرها، إضافة إلى تلك الأصوات التي تجعل الأمن في مقدمة أولوياتها وهي التي ما زالت تشعر أن زمامه بين العسكر، مثلما أن الأقباط يتوجسون من حكومة دينية، وعليه فإن حدسي يتجه إلى أن أحمد شفيق سيعتلي كرسي الرئاسة، خاصة إذا استطاع خلال الأيام القادمة إزاحة المخاوف من تبعيته للنظام السابق، وإذا تمكن من التوافق وكسب بعض أصوات بقية المرشحين الذين خرجوا من حلبة السباق (أبو الفتوح وعمرو موسى وصباحي).
المهم هو أن مصر ماضية إلى المستقبل، وحتى مع النظر إلى قلة نسبة المشاركين في التصويت (أقل من 50%) وحتى مع وصول ممثل العسكر (شفيق) أو ممثل الإخوان (مرسي)، فإن لم يكن هذا الاختيار هو الخيار الأقرب للمزاج العام فما على المصريين إلا التسليم بالنتيجة النهائية، لكن الجديد في مصر هذه المرة هو أن فخامة الرئيس الجديد ليس طويل الأمد، كما هو الحال مع سابقيه الذين لا ينقضي عهدهم إلا برسم الوفاة أو القتل أو الانقلاب.
الجديد هذه المرة أن من حق المصريين أن يغيروا رئيسهم في الدورة الأولى أو يتم التمديد له لدورة أخرى وأخيرة ليختاروا من بعده رئيساً آخر. لقد صار للمصريين الحق في تغيير الرئيس الأبدي قبل انتهاء صلاحيته.. وهذا في حد ذاته هو أكبر إنجازات ومكاسب ثورة 25 يناير.