"لو أطفال بشار وزوجته هم اللي انذبحوا واتعذبوا... كيف بيكون شعوره؟" سؤال طرحته الطفلة سارة على والدتها وهي تشاهد أخبار مجزرة الحولة المروعة، ومع خضم الإجابات والدعوات على الظالم الطاغية، فإنه لا بد أن نقف خوفا من هذا السؤال والذي تم طرحه من قبل "طفلة".
نمر بحقبة تتوالى فيها الكوارث والثورات بشكل متسارع؛ نعجز أن نلتقط أنفاسنا من خلالها أحيانا، فهنا تلفاز يعرض صورا لمجازر في دولة حدودية، وهناك صحيفة بخبر عن حريق في معالم تاريخية تتبعه مقاطع إلكترونية لتفحيط وجثث متطايرة، وروابط متداولة لخادمات يعنفن أطفالا لتنتهي بأفلام لعواصف رملية تحيل النهار ليلا. كل هذا يحصل بشكل يومي أمام أعين أطفالنا، حتى إن بعض الأهالي قد يستعرض هذه الأحداث من خلال جهازه المحمول وطفله في حضنه!
نستهين بهذه العقول الصغيرة وبقدرتها على الاختزال والتحليل وعكس ما تراه من أحداث مروعة مخيفة على واقعها وعالمها الصغير. نقلل من شأنهم بمقولة "والله ما يدرون وين ربي حاطهم"، ونعزز من هذا التفكير بقناة اخبارية تعمل على مدار الساعة في المنزل، وبأجهزة لوحية متصلة بالإنترنت بلا رقابة وهواتف محمولة ذات مجموعات تتداول صورا ومقاطع لأي مصيبة تقع حول العالم خلال دقائق معدودة ومن ثم نتساءل ما بال طفل الأعوام الخمسة لا يرتضي النوم إلا بين والديه من دون سابق إنذار، ولماذا عادت ابنة العاشرة لتتبول لا إراديا ولماذا تتكرر الكوابيس لأطفال يعيشون بأمان أهاليهم؟!
يختلف الأطفال في فهمهم للكوارث والحوادث المروعة حسب أعمارهم، فالأطفال دون سن السادسة لا يملكون عادة القدرة على استيعاب أن إعادة الخبر في النشرات يختلف عن الأحداث مباشرة وغالبا ما يعتقدون أن هذه الأحداث تحصل في مكان قريب من منازلهم. هذه الفئة العمرية لا تستطيع استيعاب أنه لا رجعة بعد الممات ولذلك نجد الكوابيس والتعلق الزائد بالوالدين أو أحدهما الطريقة للتعبير عن الخوف والقلق. على الطرف الآخر نجد أن الأطفال من السادسة وحتى سن الثانية عشرة يملكون القدرة على الاستماع وفهم الآراء حول حدث مروع، وإن لم يكن بشكل كامل، ولكنه بالقدر الكافي لإثارة حالة من الخوف والمراقبة الدائمة لردات فعل ذويهم فيما يخص هذا الحدث، فعندما يرى والدته تبكي وتدعو بحرقة بسبب مشهد إخباري عن أطفال منحورين فإن خوفه على والدته يترجم بعودة لتصرفات عمرية سابقة كالتبول اللاإرادي في تلك الليلة أو رفض الذهاب إلى المدرسة.
لا يمكن إيقاف الحوادث والمجازر والكوارث من الحصول ولكن يمكن الوقاية متى ما أمكن والتهيئة حسب الفئة العمرية لفهم هذه الأحداث. وهذا دور تتشارك فيه جهات عدة، من أهمها: المنزل والإعلام ولعل حجر الزاوية يكمن في أن تستوعب هذه الجهات أن الأطفال ليسوا كبارا بأحجام صغيرة فهم ما زالوا في طور النمو العقلي والنفسي ومع ذلك فإن من حقهم علينا أن نطلعهم على واقع الحياة ولكن برفق وتأن.
خطوات بسيطة من قبل الأهل قد تغير وتعدل من تأثير هذه الأحداث على أطفالهم فينشؤون بأقل الأضرار من الناحية العقلية والنفسية. مراقبة ما يشاهده الأطفال من أخبار وأحداث والحديث معهم عنها وعما تعنيه والاستماع لما يشعرون به تجاهها ومنعهم قدر الإمكان من مشاهدة المناظر المروعة من قتل ودماء والتأكيد مرارا وتكرارا أنهم بإذن الله في أمان، جميعها تغييرات سلوكية تساعد في التقليل من آثار هذه الأحداث وتوابعها. لا بد من الموازنة بين أهمية الحدث الذي تتم متابعته وأهمية السلامة العقلية والنفسية للأطفال، فإن كان لا بد من متابعة حدث مروع أو كارثة مباشرة بوسائل الإعلام فلا بد من إبعاد طفلك حتى لا يتعرض للصور التي يقشعر منها بدن الكبير قبل الصغير. ولعل من أهم طرق الوقاية هي ألا نفترض عدم فهم الطفل لما يدور من أحداث ويليها معرفة الأهل بالعلامات والأعراض التي تدل على معاناة الطفل من الخوف والقلق حتى يتم تداركها مبكرا قبل أن تتطور لمرض مستفحل يستوجب العلاج الجسدي والنفسي.
وسائل الإعلام العربي – وخاصة المرئية - فشلت بقدر نجاحها في تغطية الأحداث والكوارث المحلية والإقليمية والعالمية في احترام مشاهديها وفشلت في احترام قواعد الممارسة المهنية بالتحذير من محتوى النشرات من تفجيرات وقصف وقتل، بل تجاوزتها وقامت بإدراج مشاهد الموتى وبكاء الأطفال على إخوانهم القتلى في إعلانات عرض النشرات أو ما يسمى بالبرومو! والأدهى والأمر أن هذه العروض يتم الإعلان عنها من دون تحذير على مدار الساعة من دون احترام لوجود أوقات عائلية قد يتواجد الأطفال مع ذويهم خلال النشرات.
هذه القنوات التي تتنافس في نقل الأحداث مباشرة لم تلق بالا لواجبها الإعلامي في كيفية التعامل مع هذه الأحداث من ناحية صحية نفسية باستضافة مختصين للتوعية في كيفية التعامل مع التأثيرات النفسية والعقلية لهذه الأحداث وبخلت على مشاهديها بإعلان توعوي عن علامات القلق من الأحداث – كبارا وصغارا- وكيفية الحصول على المساعدة عند الحاجة.
متى ما تمعنا واستوعبنا أن لهذه الأحداث تأثيرات قريبة وبعيدة المدى، حينها نعود لسؤال سارة لنجيب بأن الأيام القادمة بإذن الله كفيلة بالإجابة.. "ويشف صدور قوم مؤمنين".