هناك ثلاثة أنواع من الكمال، الكمالية المدفوعة من الذات، والكمالية المفروضة اجتماعيا والكمالية المصنوعة من الرؤساء من خلال إلزام الآخرين بمعايير صعبة وربما مستحيلة.

معظمنا كبشر نبحث عن الكمال، بل إن البعض مصاب بهوس الكمال فتجده لا يرضى أن يصفه أحد بالخطأ أو القصور. وأولئك الذين يسعون إلى الكمال دائما يعانون من ضغوط عصبية ونفسية، ومن أجل الكمال أيضا فهم لا يظهرون هذه العيوب.

ومن أمثلة تلك الأمراض الاكتئاب والقلق والغذاء غير الصحي وقلة النوم، ولقلة النوم ارتباط بهرمون الميلاتونين، والذي يفرز ليلا ويتسبب نقصه في عدد من الأمراض العضوية، ومنها أنواع من السرطانات التي قد تصيب الجنسين، مع تسجيل حالات انتحار لمشاهير وهم يبحثون عن المثالية.


إن شباب اليوم تحت ضغوط كبيرة بسبب تغير المجتمعات وبسبب التكنولوجيا ووسائل التواصل التي جعلتهم في بحث دائم عن التميز والشهرة، وأنهم لا بد أن يكونوا مختلفين عن غيرهم، مع الاعتقاد السائد أن الشهرة والكمال هما أقصر الطرق للكسب والغنى، لا سيما مع الانحسار العالمي للوظائف وارتفاع معدلات البطالة. %20 من الشباب في أمريكا مثلا يرون أن الغنى المادي هو الهدف الأساسي في حياتهم بغض النظر عن الطرق للوصول إلى تلك الغاية.

ويصرف ما يقارب %45 من الشباب أكثر من ثلث دخلهم على تحسين مظهرهم وشكلهم، معتقدين أن المظاهر أحد أهم مراحل الكمال، وهنا ربما يخطر على البال هوس بعض المشاهير بعمليات التجميل المستمرة والتي قد تكون خطيرة وكارثية.

كما أن الحصول على وسائل الرفاهية أصبح أحد أهم مؤشرات الكمال عند الشباب، فمثلا لا بد من الحصول على سيارة بمواصفات معينة، وليس على واحدة تتناسب مع الدخل المادي للفرد، أما المأكولات والمشروبات فلم يعد الهدف منها سد حاجة الجوع والظمأ ولكن لا بد أن تكون من أماكن معينة وبأسعار باهظة لتتناسب مع الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولعل من أخطر مواصفات الكمال في العصر الحالي هو نشر كافة تفاصيل الحياة على منصات التواصل الاجتماعي، والذي قد يتسبب في إظهار بعض الأخطاء والتعرض للنقد وربما للعقاب، وللأسف فإن إظهار الكماليات على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح أكثر أهمية من إظهارها على أرض الواقع.

إن الصورة الحقيقية للشباب هي بقيمتهم الفطرية والشخصية، وليس من خلال إظهار أنفسهم بخلاف حقيقتها، إن الوصول إلى الكمال بالأساليب المعقولة يختلف اختلافا كليا عن التكلف والتجمل والتصنع للوصول لهذه الغاية، أما على صعيد التعليم فإن مقياس الكمال تم تحديده من خلال الاختبارات المتكررة والتي يخضع لها الطالب من الروضة إلى تخرجه من الجامعة دون اهتمام بأي جوانب أخرى في شخصيته أو رغباته أو إبداعاته.

كل هذه الأمور خلقت جيلا لا يثق بنفسه وقدراته، بل يسير وفق الأنظمة والقوانين ووسائل التواصل التي فرضت عليه درجات ونسبا وعدد متابعين وإعجابات للوصول إلى مرحلة الكمال.

إن الكمال في الوقت الحاضر لم يعد متعلقا بذات الفرد من خلال الإتقان والاجتهاد، وإنما أصبح مدفوعا بضغوط اجتماعية وبمعايير قد تكون غير عادلة.