في 2014 حكمت محكمة الاستئناف في نيويورك بأن الشمبانزي ليس بشرا. عليه، لا يمكن معاملته كشخص. السؤال القانوني، الذي طرحه محامي حقوق الحيوان ستيفن وايز الذي ترافع لصالح القرد «تومي» (26 عاما) – من فصيلة الشمبانزي – يتمثل بالآتي: إذا سلمنا أن القردة لا ترتقي إلى أن تكون إنساناً – أي أن يكونوا أشخاصا طبيعيين، تولد الحقوق والالتزامات القانونية بولادتهم – فلما لا نعاملهم كأشخاص اعتباريين كما نفعل مع الشركات والسفن والدول؟

قضية تومي تُذكرنا بفلم Ted 2، الذي تدور أحداثه حول الدب الدمية (تيد)، قصته بدأت كهدية عيد ميلاد أهداها أب لابنه (جون) الذي كان يبلغ الثامنة من العمر، ولأن جون ليس له أصدقاء كما أنه وحيد والديه، تمنى في ليلة عيد ميلاده أن تدب الحياة في تيد ليكون صديقا له، وفي إحدى الليالي ضرب شهاب في السماء حتى وصل إلى جسد «تيد» فأصبح حياً يتحدث. وتوالت بعد ذلك أحداث مضحكة وكوميديا سوداء إلى أن تزوج «تيد» زميلته في السوبر ماركت (تامي) التي أُعجبت بشخصيته.

وجاء الجزء الثاني من الفيلم، ليكمل قصة ذلك الزواج، الذي اعتبرته الحكومة الأمريكية «غير قانوني»، بسبب أن «تيد» يعتبر «شيئا» يمكن امتلاكه من الناحية القانونية، عليه لا يمكن اعتباره «شخصا» له حقوق مدنية تسمح له بإبرام «عقد الزواج»، فقرر أن يطالب بحقوقه المدنية من خلال رفع دعوى قضائية، المفاجأة في نهاية الفيلم أن المحكمة حكمت لصالحه. السؤال هنا: هل الحكم مقبول وفقا للقانون الأمريكي، أم أنه مجرد «خيال روائي»؟، بمعنى آخر: لماذا كسب «الدب الدمية» تيد قضية الحقوق المدنية بينما خسر «تومي» الشمبانزي أن يُعترف به على الأقل كشخص اعتباري – يتم تمثيله بالوكالة؟.


كانت إحدى طلبات وايز – محامي «تومي» – هي: إصدار مذكرة «المثول أمام المحكمة» لـ«تومي». وكان هذا الطلب على ما يبدو مناورة قانونية، قد تكون لتحقيق هدفين. الأول، هو أن إصدار المذكرة لــ (تومي) تعني: الاعتراف الضمني له بأنه شخص قانوني. الهدف الآخر، أن مثول تومي القرد أمام القضاء، يجعل مالكه خصما له مما يترتب عليه البدء في المرافعات القضائية التي تجبر لافري (مالك القرد تومي)، على أن يقدم المذكرات الجوابية والمرافعات الشفهية التي تبرر حبسه لتومي. لكن رفض لافري الحضور لأي جلسة من جلسات القضية وفقا لصحيفة الجارديان.

الحجج القانونية التي استخدمها المحامي وايز في دفاعه عن تومي تقريباً كالحجج التي وردت في فلم Ted 2؛ وقد يكون مؤلف ومخرج الفيلم سيث ماكفارلين على اطلاع بهذه القضية، إذ إن حكم الاستئناف صدر في ديسمبر 2014 وفيلم Ted 2 صدر في يونيو 2015. إذ إن الدفوع القانونية في مرافعات تومي وتيد استندت على مبدأ «الاستقلال الذاتي»، المبدأ الذي أسس له الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في فلسفته عن الأخلاق. ففي كتابه «أسس ميتافيزيقيا الأخلاق» (1785)، عرّف كانط الاستقلال الذاتي بأنه القدرة على اتخاذ القرارات الشخصية دون تدخل أو إكراه من طرف آخر. فمن خلال الاستقلالية الذاتية، التي تقوم على التفكير العقلاني، يمكن «أن نُحمل الآخرين المسؤولية الأخلاقية عن أفعالهم.. السؤال هنا: هل تيد وتومي لديهما القدرة على إدراك القرارات التي يختارانها في تفاعلهما مع المجتمع البشري لكي نستطيع أن نحملهما المسؤولية القانونية؟.

في آخر مرافعة قانونية بفيلم Ted 2، بدأ محامي (تيد) باتريك ميغن (مورغان فريمان) مرافعته بالسؤال التالي: ما هو تعريف الشخص؟ وما هو تعريف الممتلكات؟ وما هو الفرق بينهما؟. قال إنه وفقا لأحد علماء الأنثروبولوجيا، فإن «الشخص يعني الوعي الذاتي، والقدرة على فهم المشاعر المعقدة، والقدرة على التعاطف»، تابع حديثه قائلاً: «كلنا نعلم أن (تيد) يُدرك ذاته، أما من ناحية المشاعر المعقدة والقدرة على التعاطف بالنسبة له، جميعنا رأى صور (تيد) وهو يتألم على صديقه، في تلك الصور (تيد) تبدو عليه جميع الصفات الباقية المكملة لشخصيته، إنها واضحة لمن يريد أن يراها، وأنا أؤمن أن المحاكمة العادلة يجب أن تمنح حقوق الإنسان الأساسية لكل من يستحقها، تماماً مثل إعلان تحرير العبيد والتعديل 13 التابع له قبل سنوات عديدة». بعد هذه المرافعة الشفهية القصيرة، صفق أعضاء هيئة المحلفين، وحكمت المحكمة بإن يُعامل (تيد) كشخص كامل الأهلية القانونية.

في قضية تومي الأمرر مختلف، رغم أن المحامي وايز استخدم تقريباً الحجج نفسها التي طُرحت في فيلم Ted 2 – كتأكيده على أن تومي قد أظهر وعياً ذاتياً، وذكاء وتعاطفاً – إلا أن محكمة الاستئناف في نيويورك رفضت توسيع تعريف «الشخص الاعتباري» ليشمل القرد (تومي). وذلك بسبب أنه لا يمكنه تحمل الواجبات القانونية. لذلك لا يمكن محاسبته على أفعاله. بناء عليه لا يمكنه الحصول على شخصية اعتبارية كالشركات التي يمكنها التعرف على القانون، واختيار الالتزام به من خلال إبرام العقود أو المحاسبة على أفعالها في حال إخلالها بالتزاماتها التعاقدية.

عليه، فإن عدم القدرة على تحمل أي مسؤوليات قانونية وواجبات مجتمعية يجعل من غير المناسب منح تومي الحق الأساسي في الحرية.