لطالما وجهت انتقاداً إلى بعض البرامج والمسلسلات التي تعرضها قناة MBC4، ومنها برنامج "لحظة الحقيقة" الذي عرض منذ عامين تقريباً، إذ كتبت وقتها في صحيفة الوطن مقالة بعنوان (لحظة الحقيقة وثقافة الفضيحة) وكان الهدف من المقالة ألا يتم إنتاج برنامج عربي مستنسخ من البرنامج الأمريكي، وذلك لأن ثقافتنا العربية والإسلامية تشجع على ستر الإنسان على نفسه وعلى غيره، ففي الحديث الشريف:(كل أمتي معافى إلا المجاهرين) وفي حديث آخر:(لو سترته بثوبك كان خيراً لك)، على ألا يعني ذلك الرضا بازدواجية مجتمعاتنا العربية، بحيث يسمح الإنسان لنفسه أن يجترئ على محارم الله عندما لا تراه عيون البشر، وذلك لأن العيش بطريقة النفاق هذه لا تؤدي إلى السواء النفسي ولا إلى الأمان المجتمعي.

بدأت بهذه المقدمة لأن إعلانا يغزو فضائيات MBC حالياً من أجل الاشتراك في برنامج على نفس نمط البرنامج الفضائحي الأشهر، لذلك فوجئت بالإعلان الذي ظهر يوم الجمعة عن عرض فيلم (نورما خوري) الساعة التاسعة مساء من نفس اليوم، وسبب المفاجأة بالنسبة لي أن القصة التي كتبتها خوري عن صديقتها التي قتلها أهلها بالأردن بحجة الدفاع عن الشرف، هي قصة أثارت جدلاً واسعاً منذ نشرها، وهل هي قصة مختلقة أم حقيقية كما تقول خوري؛ لذا فإن تحويل القصة إلى فيلم وثائقي، لا يناقش أحداث القصة فحسب بل ينتقل من بلد لآخر من أجل البحث عن حقيقة الشخصيات في القصة، هو أمر كان يستدعي الإعلان عنه ليس في فضائيات MBC وحسب بل بكل الوسائل الإعلانية الممكنة، كالصحف مثلا، ومن هنا فإن إشارة استفهام مقرونة بالتعجب ترتسم في ذهني عن سبب عدم الإعلان عن الفيلم مسبقاً وبوقت كافٍ، وهو الذي يستحق أن يراه، ليس فقط كل مناصر لقضية المرأة، بل كل شخص يبحث عن الحقيقة، على عكس برنامج لحظة الحقيقة الذي لا يبحث إلا عن الفضيحة.

لا يوجد ما يبرر الحرص على استنساخ برنامج الفضيحة، خصوصا بعد أن رأينا نتائجه على كثير من عائلات الأشخاص الأمريكيين الذين اشتركوا بالبرنامج الأصلي، من مقاطعة الأم لولدها ومن طلاق الزوج لزوجته، رغم أنه ينطلق أساساً من بلاد ألغت ثقافة الحياء من قاموسها، فما بالك إذا أحضرنا الشجرة المنقطعة عن أصولها وزرعناها في أرض لا تتحرك إلا على رمال هشة من ثقافة العيب؟ هذا إذا غضضنا الطرف عن أن البرامج المستنسخة تستنسخ الفكرة لكنها لا تستطيع أن تأتي بنفس قدرات مقدم البرنامج ولا بنفس إبداعية ضيوفه الأساسيين، وحدّث ولا حرج عن كثير من البرامج الخلاقة التي تحوّلت عندنا إلى شكل تهريجي منفّر للذوق العام.

عوداً إلى قصة نورما خوري حول صديقتها، فمشكلة نورما أنها ذكرت في بداية كتابها أن الشخصيات كلها حقيقية وأنها حرصت على ذكر التواريخ والأمكنة مرتبطة بحوادث القصة وشخصياتها، ولكن المتابعة الحثيثة من قبل المشككين في صدقية نورما، وخصوصا أولئك الناشطين الأردنيين ضد قضية قتل الشرف والمطالبين من الداخل الأردني بتغيير القانون الذي يحمي القاتل، أثبتت أن هناك كثيراً من الخلل في ذكر الحوادث المذكورة على هامش القصة الأساسية، لدرجة أنبتت الشك في وجود شخصية الصديقة المقتولة، مما حدا بنورما من أجل إثبات صدقها أن تذهب مع إعلامية أمريكية إلى الأردن، ولكنها عادت بخفي حنين لأنها اجتهدت في التعتيم على اسم صديقتها واسم عائلتها خشية تداعيات الفضيحة وما يمكن أن ينجم عنها من مشاحنات بين عائلة نورما وعائلة الصديقة المقتولة، وهذا التعتيم لم يكن في صالح القضية الأساسية، وهي جريمة قتل الشرف، فظهرت نورما وكأنها لم تكتب سوى قصة خيالية أو أنها على أحسن الأحوال story teller.

تصاعدت أحداث الفيلم الوثائقي ولم تكن أيضاً في صالح كاتبة القصة هذه المرة، فقد أظهرها الإعلام أنها محتالة معروفة للكثير من الناس، وأنها سرقت أموال التأمين لامرأة أمريكية كبيرة في السن، مما دفع نورما للاعتراف بأنها أجبرت على ذلك من قبل زوجها، وأنها كانت تتعرض دوما للعنف الأسري، ثم اجتهدت أن تحصل من الجهات الأمريكية المختصة على وثيقة تثبت ذلك وأظهرتها في الفيلم مع وثيقة أخرى تبرهن على أنها كانت تتعرض للاعتداء الجنسي من قبل والدها منذ أن كانت طفلة؛ وهكذا تحوّل محور الفيلم من جريمة قتل شرف تعرضت لها بطلة القصة إلى جريمة اعتداء جنسي تعرضت لها كاتبة القصة نفسها.

ثمة أسئلة تدور في رأس أي منا بعد أن يرى هذا الفيلم الممتاز، كالسؤال: إذا كانت نورما خوري حريصة كل الحرص على عدم كشف شخصية صديقتها وأسرتها خشية الفضيحة، فماذا استفادت من فضح والدها أمام الملأ؟ ثمة تناقض في الأمر، والسؤال الآخر: هل تفتقد نورما إلى التوازن نتيجة هذه التجربة الأليمة في الاعتداء الجنسي من أقرب الناس لها، مما جعلها فاقدة لقيمة الأبوة وبالتالي قيمة الأمومة حيث إنها خسرت طفلها وطفلتها خلال معركة الدفاع عن صديقتها المقتولة؟

كل ما يمكنني قوله عن نورما خوري أنني لا أشك بحدوث جريمة الشرف بحق صديقتها، بالقدر الذي أعتقد معه أنها كانت محامية فاشلة لقضية عادلة، وكل ما يمكنني طلبه من MBC أن تستفيد من تجربة نورما التي أرادت أن توجّه سهما قاتلا إلى صدر المجتمع والحكومة الأردنيين وفي نفس الوقت تجني كثيرا من المال والشهرة فارتد السهم عليها، وأخشى ما أخشاه أن طموح MBC في استنساخ برنامج يظهر فضائحنا الأسرية من أجل الفائدة المادية لن يكون له مردود أفضل مما استفادته نورما.