بصفته طبيبا مارس الطب مهنيا وإداريا، ومن خلال اطلاعه أثناء تأريخه الطب وتطور تنظيماته عبر كتابه (تنظيم صنعة الطب خلال عصور الحضارة العربية الإسلامية)، تكونت لديه فكرة الاطلاع على الطب وتاريخه في المملكة العربية السعودية، بعد أن هاله -كما يقول- عند قراءة إحدى الدراسات ورود اسم أحد الرواد الأوائل الذين ساهموا في النهضة الطبية في بدايات التأسيس، كنكرة يعتقد أنه جاء من البلد الفلاني، فآلى على نفسه الكتابة عن تطور النظام الصحي في السعودية، وطرح كتابه (تطور النظام الصحي في عهد المؤسس من خلال تتبع جريدة أم القرى).

المرجعية والدوافع

لعظم المسؤولية وضخامة المهمة لم يجد الدكتور جميل عطية أفضل من جريدة ( أم القرى) الصحيفة الرسمية التي اسسها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بعد أيام قلية من دخوله مكة المكرمة، بالاعتماد عليها كمصدر ،من خلال تتبعها منذ دخول الملك المؤسس - طيب الله ثراه - مكة المكرمة إلى وفاته، أي من العدد الأول في 1924/12/12 إلى العدد 1486 الصادر في 23/ 1953/10، كمرجعية ومصدرا أساسيا اعتمده في توثيق تلك المرحلة من التطور الصحي في السعودية، مساهمة منه في تعريف الأجيال الحاضرة والتوثيق للأجيال القادمة عن الجهد الكبير للرواد الأوائل في مجال الطب لتطويره مهنيا، وعلميا، وتنظيميا.

إلى جانب هذا الدافع العام، يقول الدكتور عطية «كان هناك دافع شخصي، ألا وهو أن والدي -رحمه الله- كان أحد هؤلاء الرواد، فبرا بهؤلاء الرواد من الآباء والأجداد، واعترافا بفضل المؤسس على البلاد قدمت هذا الكتاب كوثيقة تؤرخ لتطور النظام الصحي والطبي في عهد المؤسس، اعتمادا على توثيقات صحيفة أم القرى.

ثلاث مناطق حضرية

لأن من لا تاريخ له لا حاضر له، وبالتالي لا مستقبل، ولأن كل المهن لها جذور في التاريخ وبعضها جذورها عميقة مثل الطب، كثف الدكتور جميل عطية جهوده، لتدوين وتوثيق تطور النظم الصحية، وإظهار مساهمات الرواد الأوائل في وضعها وتنفيذها، نشر الدكتور عطية كتابه، وقسمه إلى ثلاثة أجزاء بأبوابها المتعددة، الجزء الأول يتناول الأوضاع الصحية قبل دخول المؤسس مكة المكرمة في ثلاث مناطق حضرية رئيسة (الرياض، الأحساء، الحجاز)، التي شكلت الكيان الوليد، وذلك للمقارنة كيف كنا وكيف أصبحنا.

فيما يتناول الجزء الثاني تطور النظام الصحي منذ دخول المؤسس مكة المكرمة إلى إعلان المملكة العربية السعودية.


وخصص الجزء الثالث لتطور النظام الصحي منذ إعلان المملكة العربية السعودية في 23 / 9 /1932 إلى وفاة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في 23/ 10 / 1953.

الأعشاب البرية

باعتبار الأحساء (الحسا) أحد أهم المواقع الحضرية ذات الكثافة السكانية في الجزيرة العربية، وتعتبر بمينائها "العقير" البوابة الشرقية لقلب الجزيرة العربية، وأهم منفذ حيوي لنجد على الخليج العربي،

بدأ عطية كتابه مستندا لكثافة سكانية مرتفعة نسبيا تبرز في الاحساء، ذاكرا هذه الكثافة السكانية والاختلاط بين بشر من جنسيات وبلدان مختلفة والبيئة الزراعية والمناخ، وتواجد المستنقعات وعدم التخلص السليم من النفايات وغياب الوعي الصحي أدت إلى تكاثر الأمراض المختلفة، خاصة المعدية منها، مثل الرمد والسل والملاريا والكوليرا والزحار والطاعون والأمراض الجلدية (البلش، الجرب) وغيرها.

وأشار عطية إلى أن معظم الإحسائيين تعاملوا مع هذه الأمراض مثل بقية سكان الجزيرة العربية بالطب التقليدي المتوارث من الطب العربي القديم، أو بالطب الشعبي العملي المنتقل من الأجداد إلى الأحفاد (العلاج بالأعشاب، تجبير الكسور، الكي بأنواعه).

وإلى جانب هذه العلاجات التقليدية تعرف الإحسائيون على الطب الأكاديمي الحديث وإن لم يكن بصيغة كاملة.

الطبيب الجاسوس

في تناوله لمنطقة الرياض لم يغفل الدكتور عطية الموقع الجغرافي للمنطقة في وسط الجزيرة وإحاطتها بالصحراء والنفوذ من جميع الاتجاهات، وعدم توافر وسائل الاتصال الحديثة، وعدم تواجد حكومة مركزية والغزوات والحروب القبلية، وكل ذلك أدى إلى عزلة نسبية للمنطقة، وإلى تأخر دخول وسائل الطب الأكاديمي إليها، واستفادة الأهالي منها، مما رسخ اعتمادهم الكامل في ذلك الحين على الطب الشعبي المتوارث من الأجداد، أخذ علاجاتهم من «المداويين» وتجبير كسورهم لدى المجبرين «الجبارة»، وصيدليتهم تعتمد على النباتات والأعشاب البرية الصحراوية في علاج الأمراض المختلفة، إما بتناولها في شكلها الطبيعي الأصلي أو باستخلاص بدائي لمكوناتها على شكل وصفة طبية، كما أنهم استعملوا لحوم بعض الحيوانات كالثعالب والذئاب والفهود، وغيرها في علاج بعض الأمراض، وتداووا ببول الإبل والحجامة.

أما أهم طرق العلاج طلبا للاستشفاء من جميع الأمراض فهو الكي، فبه يحاولون معالجة آلام البطن، ووجع الرأس والمعدة والظهر والأمراض الباطنية وذات الجنب وأم جنوب والطرف (برودة تعقبها سخونة وقيء)، والزرد والكحة الشديدة والأمراض الجلدية والمفاصل، بل إلى جانب الأمراض العضوية عالجوا بعض الأمراض العصبية والنفسية، ويستعملون في عملية الكي سيخ تذخير البندقية «المدك» أو سيخا حديديا حاميا ذي رأس مستدير «المرقاع» أو مغارز الخيام بعد حميها على النار حتى الاحمرار أو مسمارا متوهجا.

ولفت عطية إلى أنهم كانوا «يحظرون على الجريح شم روائح المواد العطرة كالريحان والعنبر والمسك، فہم يعتقدون أن ذلك يؤدي إلى ورم الجرح وربما الموت، وللحماية من ذلك يضعون في أنفه سدادتين من خرقة مثبتتين على نهايتي خيط مثبت حول الرقبة، وتحتوي على مايسمونه براز الشيطان «حلتيقة».

وأشار عطية إلى اللقاء الأول والحقيقي بين أهالي وسط الجزيرة والطب الحديث (الطب الأكاديمي)، كان في عام 1862 حين وصل في عهد الإمام فيصل بن تركي آل سعود، الإنجليزي وليام بلجريف وهو لغوي ورحالة وجاسوس لنابليون، وانتحل شخصية طبيب، بعد أن درس مقررا في طب المناطق الحارة، لمعرفته أن تقديم الخدمات العلاجية أفضل طريقة للتقرب إلى الأهالي، وأحضر معه من بيروت صيدليا ومجموعة من الأدوية.

عامل المقدسات والحجاج

الحجاز كمنطقة من مناطق شبه الجزيرة العربية ينطبق عليها ما ينطبق على بقية مناطقها، من حيث بعدها نسبيا من المراكز الحضارية وتأخر وصول الوسائل الحديثة إليها، مما جعل الأهالي يعتمدون على الموروث الشعبي التقليدي في العلاج، ولكن ما ميز الحجاز عن بقية المناطق وجود المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، مما جعلهما مناطق تجمع الحجاج والمعتمرين والزوار في أماكن محدودة من جميع أصقاع الأرض ومختلف البلدان والبيئات، وما يتبع ذلك من انتشار للأمراض المعدية والأوبئة.

مما اضطر الإدارة العثمانية - لوجود قوات لها في المنطقة - لإيلاء المنطقة بعض الاهتمام بالنواحي الصحية، فأنشأت بعض المنشآت الصحية فيهما، إضافة إلى وصول بعثات الحج الرسمية (المحامل) ومرافقة الأطقم الطبية لها، وإن كان عمل هذه الأطقم الرئيس هو خدمة حجاج وزوار البعثة المخصصة لها غير أن بعض الأهالي حصلوا على بعض الخدمات الصحية منها، كما أن قرب الحجاز من الشام ومصر سهل نسبيا التنقل والحصول على بعض الخدمات الصحية وإن كانت ضعيفة.

مقدمات النهضة الصحية

منذ أن تولى الأمير عبد الله الفيصل وزارة الصحة 1950 انهمك في دراسة الخطط ورسم الخطوط التي تنهض بالصحة العامة في السعودية، وكان من أبرز بوادر هذه النهضة انتداب مفتش الصحة العام الدكتور محمد بك قاشقجي إلى أسمرة عاصمة إرتيريا ليأتي منها بالأطباء الاختصاصين في فنون الطب المتنوعة من نوابغ إيطاليا وعباقرتها الذين كون لہم السنيور موسوليني في عهد حكومته الفاشستية نهضة جبارة في إرتيريا، جعل منها مثالا يحتذى في التقدم الصحي والتفوق الطبي.

وأبرمت عقود مع فطاحل الأطباء الإيطاليين ليعملوا في مستشفى وزارة الصحة بجدة تحت إدارة طبيب سعودي فوافق وزير الصحة الأمير عبدالله وأصدر أمره بأن يجهز مستشفى وزارة الصحة في جدة بجميع الوسائل والأسباب الصحية الحديثة ليعمل فيه الأطباء الإيطاليون الذين وصلوا إلى جدة من إريتريا، وتتالت بعد ذلك اهتمامات وزارة الصحة بافتتاح العديد من المستشفيات في معظم المدن، وهو يستعرضه الكتاب بالتفصيل، متضمنا أسماء أوائل المبتعثين لدراسة الطب والعلوم الصحية ، وأوائل المسؤولين في وزارة الصحة والشؤون الصحية في مناطق المملكة، ما يرفع من قيمة الكتاب وأهميته كوثيقة ومرجعية تاريخية رصدت مرحلة مهمة في تاريخ السعودية.



الدكتور جميل عبدالمجيد عطية

* ولد في مكة المكرمة.

* كان والده يعمل في مديرية الصحةالعامة والإسعاف، رئيس صيادلة المملكة في ذلك الوقت.

* أكمل تعليمه بين المدينة المنورة والقاهرة.

* تعليمه الثانوي في مدرسة اليمامة الثانوية بالرياض لانتقال العائلة إليها.

* ابتعثته وزارة الدفاع والطيران لدراسة الطب في جامعة فيينا بالنمسا.

* عمل فترة في المستشفى العام والجامعي لمدينة انسبروك في ولاية تيرول النمساوية.

* قبل رجوعه إلى الوطن أقام لستة أشهر في مدينة لندن.

* بعد عودته إلى الوطن عين في مستشفى القوات المسلحة بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران.

* انتقل للعمل في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة في جدة.

* أصبح رئيسا لقسم الطب الوقائي بالمستشفى.

* أثناء حرب تحرير الكويت عين مقررا للجنة الطوارئ المشتركة لمدينة جدة؛ ورئيسا للجنة الإخلاء الطبي في المستشفى، كما رأس في تلك الفترة لجنة الدفاع الكيماوي في المستشفى.

* عين رئيسا للأطباء ومديرا للإدارة الطبية ومشرفا عاما على الجودة.

* استدعي إلى الرياض لتأسيس إدارة للجودة الشاملة ترتبط مباشرة بمدير عام الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة، وعين مديرا لها.

* أصبح مستشارا لمدير عام الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة لشؤون الجودة.

* رأس اللجنة الطبية الاستشارية العليا للخدمات الطبية للقوات المسلحة.

إصدارات:

* تنظيم صنعة الطب خلال عصور الحضارة العربية الإسلامية.

* تعرف على مبادئ إدارة الجودة الشاملة.

* العلاقات التعاقدية بين المريض والطبيب.