ارتبطت القهوة بإرث المملكة، وصنعت القهوة السعودية تاريخا حافلا بالعادات والتقاليد، وعبرت عن قيم الكرم والضيافة، والحضور الإنساني والجمالي والفني، واقتحمت حتى الأغاني والقصائد ولوحات الرسم، واستحقت أن تكون عنصرا رئيسا في الثقافة والموروث الشعبي السعودي، وعلامة ثقافية تتميز بها المملكة، بل وصارت معادلا لهوية سعودية تستوعب التنوع، وتعكس في طرق إعدادها والأدوات المستخدمة لهذا الإعداد، وفي الإضافات التي تسبغ عليها (والتي تختلف من الهيل للقرنفل والزنجبيل والزعفران والنانخة وغيرها)، وكذلك في طرق تقديمها ذلك التنوع الثقافي للإنسان السعودي، حيث تختلف هذه الطرق من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، كأنها توحي بأنها قادرة على استقطاب واحتواء كل الأذواق.

ولعل درجة حمس (تحميص) حبة القهوة هي التباين الأساس في استيعاب القهوة السعودية لكل المكونات، حيث يشير أحد المهتمين إلى أنها تميل من البياض تدريجيا انطلاقا من أقصى جنوب المملكة لتصل إلى السواد في أقصى شمالها. قهوة الشمال تمسكت القهوة السعودية الشمالية غالباً بنكهتها المعروفة، على الرغم مما صاحبها في وقتنا الحاضر من دخول محسنات عليها، فهي تتميز بلونها «الأشقر» كما يطلقون عليه، كما تتفرد بوجود المسمار الذي يضاف عليها بين بقية المناطق السعودية، إضافة إلى ما دخل عليها من إضافة الزعفران، حيث تقدم في مجالس العامة والشيوخ والمهتمين بأغلى الدلال المعروفة مثل البغدادية والرسلانية والشامية.

ويصف بيت بدوي شهير لون الفنجان، مشبهاً إياه بخضاب فتاة ذهبت لبيت والدها في حالة «زعل» وبدأ في فقدان لونه المتوهج:


«فنجالها يشبه خضاب الخونداه.. الجادل اللي عند أهلها طموحي!

وبحكم تقارب وتجاور الدول ولطبيعة العادات والتقاليد والتصاهر في شمال المملكة مع بلاد الشام بدأت تظهر أنواع من القهوة السعودية في بعض البيوتات السعودية الشمالية مثل القهوة السوداء، وإن كانت على قدر ليس بالكبير، حيث تكون محروقة نوعاً ما ودون إضافات أو محسنات تذكر، كما يقدم في الأردن وسورية على وجه الخصوص.

ويندر أن تقدم القهوة الشمالية السعودية من داخل المنزل أو من عمل العائلة أو العمالة بل يقوم عليها كبير العائلة أو أحد أبنائه، حيث يحمسها ويطحنها ويطبخها أمام الضيف أو الزائر فيما يعرف بالمشب، وهو المجهز بالمعاميل والغاز أو النار، ويكون الفنجان الأول لصانعها حتى يتعرف على جودة ما صنع قبل تقديمه للضيف. ولعل أشهر الأبيات في وصف القهوة والترحيب بالضيف، قول الشاعر راكان بن حثلين:

يامحلا الفنجال مع سيحة البال

في مجلسٍ ما فيه نفس ثقيلة

هـذا ولد عمٍ وهذا ولد خال

وهذا رفيقٍ ما ندور بديله صدارة الجنوب تتصدر مناطق الجنوب (جازان، وعسير، والباحة) زراعة البن في المملكة، ويعد الإنتاج المحلي في جازان الأكثر، حيث تتوفر 340 ألف شجرة بن، تنتج سنويا 2040 طنا و340 طنا من البن الصافي، وتحل عسير ثانيا من خلال 40 ألف شجرة سنويا، وإنتاج 240 طنا سنويا و40 طنا من البن الصافي، والباحة ثالثا من خلال 18 ألف شجرة، وإنتاج 108 أطنان سنويا و18 طنا من البن الصافي.

وتشتهر المملكة بزراعة أجود أنواع البن الممثلة في البن الخولاني السعودي الذي يعد أحد أغلى وأندر الأنواع في العالم، وتشتهر بزراعته جبال جازان لأسباب عدة منها ملاءمة الظروف الجغرافية والمناخية المناسبة، والتربة الجبلية الغنية بالعناصر الغذائية اللازمة، وهناك كذلك البن الهرري الذي يصدّر من إثيوبيا ويزرع في مناطق المملكة، وينقسم إلى 3 أنواع هي لونجبيري، شورتبيري، وموكا.

وتختلف درجات حمس البن، حيث يعتمد التحميس الخفيف على اللون الأشقر، وحموضة عالية، ونكهة فاكهة، وكافيين عال، والتحميس المتوسط على اللون البني متوسط اللون، وتوازن الحموضة، وحلاوة في الطعم، وكافيين متوسط، والتحميس العالي على اللون بني غامق، وسطح دهني، وطعم مُر، وكافيين قليل. 8 أدوات لصناعة القهوة 8 أدوات مختلفة، هي المحماس، والمبرد، والنجر، والمعاميل، والمطباخة (الملقمة)، والمصفاة، والمبهارة، والزل (الترمس)، و7 أنواع تشتهر بها مناطق المملكة في أنواع الدلال، منها الدلة الحساوية التي تصنع في الأحساء، والدلة القرشية في مكة، والدلة البغدادية التي تصنع في بغداد وتستخدم بكثرة في المملكة، والدلة الحايلية في حائل، والدلة الحجازية المصنوعة في الحجاز، والأكثر انتشارا في مناطق المملكة، ودلة رسلان في الشام، والجَبنة أهم الصناعات اليدوية التقليدية والتي تمثل جزءا من ثقافة منطقة جازان. تحضير جنوبي تعد حمسة المنطقة الجنوبية حمسة فاتحة لبن القهوة، وتتمثل مقاديرها في 800 مل من الماء، و40 جراما من البن المطحون، و30 جراما من الهيل المطحون، وجرام واحد من الزنجبيل المطحون، وقليل من الزعفران، وجرام واحد لكل من القرفة المطحونة، والشمرة، والقرنفل، ويتم تحضيرها من خلال وضع الماء على النار حتى الغليان، وإضافة البن المطحون، وباقي البهارات باستثناء الهيل، وتطبخ على نار هادئة متوسطة لمدة 15 دقيقة، ويضاف الهيل ويطبخ مع القهوة لمدة 5 دقائق، ثم تزال القهوة من على النار، وتترك جانبا لمدة دقيقتين حتى تكون جاهزة للشرب. صلاحية 3 سنوات تحدد أقصى مدة صلاحية للبن بـ3 سنوات من قطفها إذا توافرت لها الظروف التخزينية الجيدة، والجديد منها أطيب نكهة ومذاقا، وكلما كان البن أقرب إلى اللون الأخضر كان أزكى وألذ.

وأوضح محمد العنزي صاحب أحد الديوانيات التاريخية أن إعداد القهوة السعودية له طرقه، وتستخدم فيه دلال خاصة يعطيها إضافة وجودة، حيث يعد شرب وإعداد القهوة فن وذوق وليس فقط للارتواء، إضافة الى الاهتمام والمتابعة في أدوات إعدادها.

وتختص المنطقة الوسطى في المملكة بحمس القهوة حمسة متوسطة، ثم يغلى الماء حتى الغليان، ويضاف له البن المطحون مع إضافة بهارات من قرنفل أو زعفران، ثم تطبخ القهوة لمدة 17 دقيقة، وبعد ذلك يضاف الهيل وتطبخ لدقيقتين وتترك قليلا قبل الشرب. تصدير البن طقوس مختلفة في الغربية قهوة القصيم الأحساء حمص واحد ونصف السوداء غير مفضلة أكدت صاحبة متجر خيرة للبن السعودي في جازان سارة المالكي لـ«الوطن»، أن منطقة جازان تتميز بإنتاج البن، مضيفة أنهم يعملون من خلال المتجر علی تصدیر محصول البن السعودي من جبال جازان إلی جمیع أنحاء المملكة وخارج المملكة، وهو يشتمل على بن أخضر، وبن حمسة سعودية، وبن حمسة سوداء، والقشر، مبينة أن محصول البن يبدأ من بداية أكتوبر ويستمر حتى يناير من كل عام.

وعن طريقة إعداد القهوة، قالت: «يختلف الإعداد على حسب الذائقة، فهناك عدة درجات لحمس القهوة، فالبعض يحبها فاتحة جدا، والبعض متوسطة، بينما هناك من يحبها غامقة قليلا، ولكنها تبقى في دائرة الحمسة السعودية المعتادة، وتختلف الإضافات أيضا، حيث يكتفي البعض بإضافة الهيل، ويفضل آخر إضافة المسمار، والزنجبيل المجفف، والخضيراء، وهذه البهارات يتميز بها أهل جازان عند إعداد القهوة».

وبينت أن «الأداوات المستخدمة قديما، تُعرف بالجَبنة أو الجمنة كما يسميها البعض، وهي دلة فخارية، تشكل عنوانا لمحبي القهوة ومتذوقي نكهتها، خاصة، والفناجين الطينية هي واحدة من أهم الصناعات اليدوية التقليدية التي تمثل جزءا من ثقافة منطقة جازان ورمزًا لخصوصيتها في صنع القهوة، أما حاليا فقد اختلفت أنواع أدوات القهوة وطرق تقديمها، وهناك أنواع حديثة لحمس وإعداد القهوة منها القهوة المقطرة، والقهوة السوداء، واختلفت الإضافات عليها، ولكن تبقى الطريقة التقليدية لإعداد القهوة هي المتسيدة». يتبع سكان المنطقة الغربية من المملكة (جدة، ومكة المكرمة، والطائف، وغيرها) طقوسا مختلفة في إعدادهم للقهوة، حيث تكون الحمسة فاتحة، ويضاف إليها الهيل والقرنفل وبخور المستكه، وتعطي هذه الإضافات نكهة مميزة للقهوة.

ويكتفى بحمس القهوة نحو 9 دقائق على النار فقط حتى يبقى لونها فاتحا، ويكون الطعم فيه حموضة زائدة، وتبقى نكهة البن واضحة. غير بعيد عن الشمال والجنوب والغرب، تمتاز قهوة المناطق الوسطى وعلى الأخص القصيم بطقوس خاصة.

ويقول عبداللطيف الوهيبي، أحد المهتمين بتراث القصيم إن «القهوة القصيمية تتميز بتحضيرها في مجلس عن طريق الرجال، ويكون هذا المجلس نافذا على الشارع لاستقبال الضيوف، ويتم وضعها على مجمار لحمسها، وبعد حمسها توضع على مبرد لتبريدها، وبعد ذلك تُدق بالنجر أو النجيرة حتى تطحن، والنجيرة هي عبارة عن أداة حجرية تستخدم لطحن القهوة والهيل والعويدي».

ويضيف «تكون القهوة القصميمة متوسطة اللون بين الأشقر والبني، ومتوسطة القوام بين الخفيف والثقيل، وكل مجلس فيه ثلاث أنواع من الدلال، الأولى تسمى ملقمة التي توضع فيها القهوة أولاً قبل التبهير، والثانية مبهارة وهي التي توضع فيها البهارات مثل الزعفران والهيل والعويدي، والثالثة مصفاة وهي التي تصفى فيها القهوة في مراحلها النهائية».

ويكمل «لون القهوة العربية يكون فاتحا في جنوب المملكة وأشقر في وسط المملكة في نجد والقصيم، ويزداد غمق لونها كلما اتجهنا نحو شمال المملكة تدريجياً إلى أن تصبح سوداء».

ويتابع «تتكون خلطة القصيم للقهوة من عدة مكونات، وهي ملعقة كبيرة من حبوب الهيل، وملعقة صغيرة من الحليب الناشف، ونصف ملعقة صغيرة من الزنجبيل المطحون، وملعقة كبيرة من الشعير، وملعقة كبيرة من الزعفران». يوضح الخبير في تحضير القهوة السعودية عيسى الجبيرة أن هناك اختلافاً في طريقة إعداد القهوة السعودية بين مدن وبلدات وهجر محافظة الأحساء، وذلك نظراً لاتساع رقعة المحافظة، وتجاوز سكانها الـ1.3 مليون نسمة، ويقول «الشائع في الأحساء تفضيل حمص القهوة بدرجة منخفضة، ويطلق عليها القهوة الصفراء، ودرجة الحمس لا تتجاوز الواحد والنصف كحد أقصى، مع إضافة الهيل، والبعض يضيف إليها المسمار (العويدي)».

ولفت إلى أن الأحسائيين، لا يقدمون القهوة في الفنجان ممتلئاً (ربع الفنجان)، وفي ذلك دلالة على الكرم، واستمرار خدمة الضيف، كلما رغب في مزيد من القهوة، ويبقى «المضيف» واقفاً أمام الضيف لخدمته وتقديم القهوة له في أكثر من فنجان، وكلما قلت كمية الفنجان في القهوة، كلما تم تقديم الخدمة، حتى يقابل الضيف المضيف بالشكر والثناء والتقدير على حسن ضيافته وخدمته والحفاوة فيه مع اكتفائه من القهوة وهز الفنجان، ودلالة على استئناس المضيف بالضيف، والترحيب فيه داخل المجلس، مع التأكيد على تقديم القهوة مع التمور والرطب.

يضيف الخبير في تحضير القهوة محمود المغربي أن القهوة السوداء غير مفضلة في الأحساء، ويقدم شرحا عن أدوات إعدادها، ويقول «الأدوات المستخدمة في إعداد القهوة وتقديمها هي المحماس، ودلة رسلان أو دلة عادية، لقمة (مزل)، تلقيمة للقهوة، ونصف لتر من الماء، وكمية القهوة من فنجان إلى فنجان ونصف، وهي تحتاج إلى وقت طويل يمتد من نصف ساعة إلى 45 دقيقة في إعدادها، وانتظار أن تنخفض درجات حرارتها، وأفضل طريقة لتحضيرها هي الطبخ الجيد على النار للتخلص من الغازات والعوالق لإكسابها مذاق ونكهة القهوة القوية، مع إضافة بهارات القهوة والبالغ عددها 12 صنفاً متنوعة، من بينها: الهيل والزنجبيل والشنان والنخوة والقرنفل، الدارسين، والزعفران، وهي متفاوتة في النسبة من مدينة في الأحساء إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى تبعاً لتفاوت المذاقات)، والبعض يفضل تناول قهوة الشعير، وقهوة طعام التمور»، لافتاً إلى أن الأحسائيين لا يستسيغون تناول قشر القهوة. أنواع التحميص تختلف درجات حمس البن، وتكون على 6 درجات:

الدرجة الأولى

وهي درجة اللاتحميس وتكون حبوب القهوة خضراء وتكون عند درجة 75 فهرنايت.

الدرجة الثانية

من الممكن اعتبارها بداية مرحلة التحميس الفعلية، حيث يبدأ تدريجياً تغير لون حبوب القهوة بالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة، حيث تخسر القهوة تدريجيا لونها الأخضر الذي يتغير عند درجة حرارة 270 فهرنهايت.

الدرجة الثالثة

هي المرحلة التي يبدأ فيها اللون الأخضر بالتلاشي والدخول في فترة لونية مُختلفة مائلة للإصفرار، وذلك بعد مرور نحو 6 دقائق حينما ترتفع درجة الحرارة إلى 327 فهرنهايت.

الدرجة الرابعة

هي المرحلة التي يظهر فيها تدرج اللون الأصفر في حبوب القهوة حيث تتحول من اللون الأصفر الفاتح للون الأغمق من الأصفر، ويتم ذلك التحول اللوني عندما تصل درجة الحرارة إلى 345 فهرنهايت.

الدرجة الخامسة

تعد التدرج الأخير من اللون الأصفر، حيث تتحول حبوب القهوة إلى البني الفاتح قليلا وذلك بالتزامن مع درجة الحرارة حين تصل إلى 370 فهرنهايت أي بعد مرور ما يقارب الـ8 دقائق.

الدرجة السادسة

هي المرحلة والدرجة التي تبدأ فيها حبوب القهوة بأخذ المنحنى اللوني الطبيعي المعروف عنها، حيث تتحول من البني الفاتح إلى الأغمق منه عند درجة حرارة 393 فهرنهايت.