وفي عصرنا الحاضر أصبحت ثقافة التفاهة هي ما يسيطر على حياتنا اليومية، فنجد الكثير منا يقضي ساعات طويلة في متابعه لجدالات ونقاشات لا قيمة ولا فائدة منها.
خلال الأسابيع الماضية انشغلت كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل بقصة الطلاق بين الممثل جوني ديب والممثلة أمبر هيرد، وبثت تفاصيل المحاكمة للعلن، وكان في مجملها عرض تفاصيل عن السباب والشتائم وتعاطي المخدرات والأعمال البذيئة.
وللأسف فإن هذه الأمثلة أصبحت قدوة للأجيال الحالية والقادمة، حتى أصبح العالم بأسره مهددا بفيروس التفاهة.
إن مثل هذه البيئة تجعل من الفضيلة جريمة، وتصبح الطيبة حماقة ويغدو السقوط عبقرية وذكاء.
أصبح التفكير ونقد مثل هذه التصرفات الحمقاء أمرا غير مرغوب ومرحب به، بل أصبح التفكير المنطقي مرضا معديا يجب الحذر منه والابتعاد عنه.
ولا غرابة في ذلك، فالتفكير واستخدام المبادئ والمثل يمثل تهديدا لأي واقع يؤسسه التافهون. لم يعد أطفالنا يحلمون بالمعرفة والحكمة والبحث العلمي والتطور التكنولوجي، بل أصبح همهم وشغلهم الشاغل ذاك أو تلك المشهورة، فتصرفات أولئك المشهورين مقدمة على جميع القيم والمبادئ.
لا شك أن هذا الوضع ساهم بشكل كبير في صناعة الوعي المتخلف، فأصبحنا نعاني من ضعف تعليمي وأكاديمي ومهني، وأصبحنا نواجه صعوبة في التفرقة بين المؤثر الحقيقي في المجتمع وبين الزائف.
السوشيال ميديا طوفان جارف لا يعتمد على أي قيم أو مبادئ، وتروج بشكل كبير لتأصيل القيم الفارغة والتافهة.
ويرى بعض المحللين العالميين أن هذا النوع من التفكير الهابط، نشأ بسبب انهيار الأساسات والدعائم التي يقوم عليها التفكير العلمي، مثل رفض الخرافة والبحث الحقيقي للأسباب، وعدم البحث عن المعلومة في مراجعها الأصلية، بالإضافة إلى سطوع شمس أشباه المثقفين والمؤثرين، وإعطائهم وهجا وقيمة أكثر مما يستحقونه.
كثير من النقاد العالميين يرون أن ما يحصل حاليا ليس سوى استئصال للجذور والأسس العلمية والأخلاقية، وإزالة لجميع الحدود بين الثقافة والمعرفة الحقيقية والمزيفة.
مشاهير السوشيال ميديا حاليا ينبتون في مجتمعاتنا بلا جذور أو أساس، كتلك الأشجار المتسلقة والضارة، ويشعر هؤلاء المشاهير باللذة والغبطة وهم يتحدثون عن توافه الأمور، ويغترون بالجلبة والهالة التي تحيط بهم من أشخاص لا يفرقون عنهم كثيرا في ضحالة الفكر والعطاء. لقد أنتجت ظاهرة السوشيال ميديا أدب الشتيمة ونبذ المكارم والأخلاق.
وأخيرا لا نعرف إلى أين نحن سائرون، وكيف سيكون التعاطي مع المستقبل، ولكن علينا أن نؤمن بأن مواجهة التفاهات هي مسؤولية الجميع، صحيح أن كل إنسان مسؤول عن نفسه، ولكن ذلك لا يعني أن كل إنسان مسؤول عن وجوده الفردي فقط، بل هو في الحقيقة مسؤول عن كل المجتمع كما يقول جان بول سارتر.