لم يكن هناك يماثل أي شيء ذلك اليوم، الذي سمعت فيه نبأ استشهاد أحد أبناء محافظة وادي الدواسر، البطل المقدم مظلي فهد بن عبدالرحمن آل راكان، في شهر شوال قبل عامين تقريبًا، أثناء تأديته واجبه الوطني في عملية «إعادة الأمل»، ضمن قوات التحالف الذي يقوده وطننا لدعم الشرعية في اليمن.

وكنت لحسن الطالع متابعًا لوسائل التواصل الاجتماعية، لأقف مع المغردين معًا بالزهو وبالفخر بذلك البطل، واقرأ التأبين الطويل له، الذي لا أتذكر تفاصيله، لكنني أتذكر جيدًا تواصل ولاة الأمر - حفظهم الله - بوالد الفقيد رجاء تخفيف المصاب، وفي مقدمة هؤلاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ذلك التواصل الذي أقول عنه: تواصل التلاحم بين القيادة ومواطنيها والمؤازرة الذي يرسخ عمق الهوية السعودية.

لقد بدأت علاقتي مع إعزاز دور شهداء الواجب من ذلك الحدث المحزن، لأتذكر معه مآثر وبطولات الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فخلدوا لنا بسيرهم العطرة أجمل الدروس والعبر في الشجاعة والبسالة والتضحية، الذين قاموا بالتضحية بدمائهم من أجل الدفاع عن الحق ومنع الظلم ونصرة المظلومين وإنكار الذات في سبيل رفع راية الوطن، خاصة ترديدهم عبارة «إما النصر وإما الشهادة»، وأن أرواحهم لن تكون بأرخص من أرواح المغاوير الأبطال السابقين الذين وهبوها فداءً للوطن.


ما قدّمه «فهد» وأمثاله من شهداء الوطن يستحق أن يبقى في ذواكرنا كل يوم وفي كل لحظة، فكل ما يحققه وطننا الفريد من تطور وازدهار وتقدم ونماء إنما للشهداء فضل كبير فيه، فبدمائهم وتضحياتهم ننعم جميعًا بالأمن والاستقرار.

موقف واحد، واعتزاز طويل، يؤكدان حب الوطن والولاء للقيادة والصبر والإيمان واليقين، ينقّبان عن معنى القيم والمبادئ والأصالة لروحك، ولما ستكون عليه لو تكررت الحادثة لقريبك أو صديقك في المعركة، لأني وجدت الإيمان بالقضاء والقدر والفرحة بالشهادة يصل لعنان السماء، لشرف الدفاع عن الدين والوطن والعرض والمال، من والده الوقور «عبدالرحمن»، كعلامة ممهورة على ورقة خضراء، منتشية بالدور الذي قام به الابن الشهيد، الذي يؤكد دومًا بأن استشهاد ابنه زاد أسرته شرفًا وعزة للمنزلة الرفيعة والعظيمة التي نالها وهو يؤدي واجبه الوطني.

كل العبارات وأجمل الكلمات لا يمكن أن تفي والد الشهيد ومن هم على نفس طريقته حقهم ولا تصف جهودهم وتضحياتهم وفضلهم، والدور الذي يقوم به الآباء وكذلك الأمهات في مجال بناء المجتمعات وتربية الأجيال وغرس القيم والمبادئ النبيلة في أبنائهم بلا شك أنه كبير.

لقد تميزت قيادة الوطن الرشيدة بالقدرة الفائقة على الاهتمام البالغ بهذه الفئة العزيزة على كل مواطن سعودي، وحرصت على تقديم كل ما من شأنه دعم ومواساة أسر الشهداء، وكانت وسائل ذلك الاهتمام والحرص ذات قوة وحضور طاغٍ في المجتمع السعودي، حتى أن شوارع كل مدينة ومحافظة تزيّنت شوارعها بأسماء الشهداء الخالدة من باب التقدير لصنّاع المعروف، ومقابلة الجميل بالعرفان.

وتم الانتهاء مؤخرًا من وضع الاستراتيجية العامة لصندوق الشهداء الهادفة إلى إعانة ورعاية أسر الشهداء وتوفير حياة كريمة مستدامة وآمنة لهم. وحقًّا، لا خاتمة لفخرنا بشهداء الواجب، يرحمهم الله، وأسكنهم فسيح جناته، مع الشهداء والصديقين والأبرار بإذن الله.