على الرغم من تصدع تنظيم "القاعدة" وتلاشي التهديدات التي تطال الغرب بعد مقتل زعيمها إلا أنه يتزامن وعودة ظهور النشاط الأصولي المتطرف في الداخل الإسلامي، ويبدو أن النزعتين متشابهتان، وتشكلان تحدياً كبيراً في وجه السلام العالمي.. إنني أتساءل: ما معنى أن يأتي شيخ تويتري يصف الإرهابيين بالمؤمنين؟ ما هذه المفارقة؟! داعية يتعاطف مع فكر يكاد يكون الأسوأ في التاريخ الإسلامي، وبالمقابل تجده في خطبة حماسية لا يتوانى عن شن هجوم ناري على الكتاب والإعلاميين ووصفهم بعبارات غير لائقة؟!

وفي قصة أخرى لا تقل شجونا عن سابقتها وهي قصة خطيب آخر قبل سنوات دعا الجماهير إلى الجهاد الأعظم ضد الليبراليين، وأنه أولى من الجهاد في العراق وأفغانستان، حتى وإن كانت تلك أرض جهاد ـ كما يزعم ـ فكان السؤال الموجه إليه: وكيف يكون الجهاد؟ الجواب: "يكون الجهاد كل بحسب طاقاته وقدراته" بمعنى أن كل الخيارات مشرعة أمامك! وهذا ما ذكره زعيم القاعدة السابق ضد الليبراليين العرب عندما وصفهم بالمستهزئين بالدين!

شرعنة السباب والشتم وكيل الاتهامات بالعمالة والخيانة باتت جزءاً من وعي الجماعات المتطرفة، ولكن من هم هؤلاء الليبراليون المنافقون الذين هم أخطر من إرهابيي القاعدة؟ هم أصحاب الفكر الحُر الذين يواجهون التطرف الفكري، ويدافعون عن حقوق الإنسان والحريات العامة، ويطالبون بحق التنمية ومكافحة الفساد، والذين يكافحون التمييز العنصري بكافة أشكاله الطائفية والقبلية، هم هؤلاء الذين يريدون تقديم الصورة الحضارية للإسلام العالمي، وهم الذين يتحدثون عن التغيير حسب مفاهيم العصر وثقافة الانفتاح، هم هؤلاء الذين يطالبون بتجديد الخطاب الدعوي واحترام كل الأديان والمذاهب.

حقيقة أقولها بكل صراحة لقد سئمنا من محاولات إلصاق الفساد الأخلاقي بالليبرالية، وإصرارهم على تشويه صورتها في محاولة لثنيها وعزلها عن التأثير! هل تعلم آخر النكت التويترية: "يقلك ليبرالي ما عنده مشكلة يتزوج أخته أو أمه أو ابنته"... "يقلك ليبرالي يُجوز السباحة هو وزوجته مع الأجانب" نعم هي نكت، ولكن بالعامي "المشكلة في اللي يصدق!" أي تسطيح هذا بعقول الناس! إن الخطورة في هذه الثقافة الأحادية أنها تقتات على أوهام الغزو الفكري والعولمة وتعتبرها موجة إلحادية، كونها أفرزت لثقافة الاختلاف وأظهرت لنا الكثير من الحقائق والآراء التي أتى عليها حين من الدهر لم تكن شيئا مذكورا، هي ثقافة قائمة على أيديولوجية التآمر، وأن الغرب هم وراء مصائبنا ومن يحذو حذوهم من الليبراليين على حد زعمهم، ولو فعلت هذه الثقافة منهج نقد الذات لأدركت بأن الصراعات الدموية موجودة في تاريخنا قبل ظهور الغرب، فالخوارج كتنظيم إرهابي هم من خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب تحت شعار "لا حكم إلا لله" مع كونهم أكثر الناس تديناً وإخلاصا لعقيدتهم لكنهم كانوا يستبيحون دم كل من يخالفهم كما في الحديث: (يخرج في هذه الأمة قوم، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، وعملكم إلى عملهم، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن ليناً رطباً، لا يجاوز حناجرهم، يحسبونه لهم وهو عليهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة، من أبغض خلق الله إليه).

أليس الأجدر بالغرب أن يخاف من غزونا لمجتمعاتهم بعد 11 سبتمبر، لكنهم كانوا واثقين من أنفسهم، ألسنا نحن أولى بهذه الثقة؟