أكتب هذا الأسبوع من روما، حيث تتناول وسائل الإعلام تقرير منظمة العمل الدولية، التي قرعتْ جرس الإنذار هذا الأُسبوع حول أزمة بطالة الشباب في العالم. وهي أزمة تزداد سوءاً كل يوم، ولكنها تتحول إلى كارثة، حيث تبلغ معدلات البطالة بين الشباب ضعف المعدل العالمي.
وتتوقع المنظمة أن تستمر هذه الأزمة حتى عام 2016، على الأقل، إذا لم تُتّخذ الخطوات اللازمة لمعالجتها.
وقد جاء هذا التحذير في تقرير للمنظمة بعنوان "التوجهات العالمية لتوظيف الشباب لعام 2012". ووفقاً لهذا التقرير، فإن معدلات البطالة بين الشباب (15-24 عاماً) قد بلغت نحو 13% عالمياً (أو 12.7% على وجه التحديد)، ولكنها ضعف ذلك في منطقة الشرق الأوسط (26.5%) وشمال أفريقيا (27.9%).
والشباب في دول مجلس التعاون، يواجهون الأزمة ذاتها، على الرغم من أن هذه الدول تمر بفترة رخاء اقتصادي غير مسبوقة. صحيحٌ أن اقتصادات مجلس التعاون تتمتّع، منذ عدة سنوات، بمعدلات نمو صحية هي محل حسد وإعجاب من بقية دول العالم التي تعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية. ومعلومٌ كذلك أن الاقتصاد الخليجي استطاع خلال فترة الرخاء هذه أن يوجِد ملايين من الوظائف الجديدة. ومع ذلك، فإن بطالة الشباب في دول المجلس في ازدياد، لأسباب عديدة (سبق التطرق إليها في مقالات سابقة).
وحتى أولئك الذين يجدون عملاً فإنهم قلّما يحصلون عليه في مجال تخصصهم أو ما يطمحون إليه. والغالبية العُظمى منهم يعملون في القطاع الحكومي، لا القطاع الخاص حيث الإنتاجُ والإبداعُ، وحيث يذهب 90% من الوظائف الجديدة لغير المواطنين.
ووفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية، فإن العالم بأسره يواجه أزمة حقيقية في توظيف الشباب. فمعدلات بطالتهم تبلغ ثلاثة أضعاف معدل بطالة الكبار، والنسبة للنساء أعلى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونتيجة لذلك، فإن ثمة (75) مليون شاب وشابة عاطلين عن العمل في الفئة العمرية (15-24 عاماً) في عام 2012، أي أن معدل بطالتهم يبلغ نحو (12.7%).
وبالإضافة إلى ذلك، ثمة ملايين من الشباب ممّن أُحبِطوا وتوقّفوا عن البحث عن عمل، وتقدّرهم المنظمة بأكثر من ستة ملايين إضافية من الشباب، مما يرفع معدل البطالة الدولي للشباب إلى (13.7%).
وهؤلاء المُحبَطون لا يظهرون في إحصائيات البطالة، وقَلّما تشملهم برامجُ التوظيف الحكوميةُ، على الرغم من أنهم في أمسّ الحاجة إلى العمل. وتُسمّي المنظمةُ هؤلاءِ المحبطين اليائسين بالجيل "المُجرَّح"، أي ممن لسعهم يأس الحصول على عمل وقضى على آمالهم، وترك في نفسياتهم جروحاً عميقة قد لا تبرأ. وهم موجودون في الدول الغنية والفقيرة، ولكنهم في الأخيرة أكثر.
ولهذه الأسباب أصبح الجيل الحالي من الشباب يُعرف في الغرب بـ "جيل العاطلين" أوجيل المحرومين أو المُبعَدين، وغيرها من التسميات، ومحصلتها جميعاً أن مستقبلهم مظلم حقاً.
وفي الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، خاصة بين عامي 2002 و2006م، كانت الأوضاع إيجابية لتوظيف الشباب، وانخفضت معدلاتُ البطالة حينها. ولكنّ ذلك التوجهَ الإيجابيّ توقف وبدأت معدلات البطالة في الارتفاع منذ عام 2007، ثم تفاقمت المشكلة بعد نشوب الأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2008م. ومنذئذٍ، قضى الكساد العالمي على المكاسب التي تم تحقيقها في توظيف الشباب قبل الأزمة، واستمرت معدلات البطالة في الارتفاع إلى أن وصلنا إلى الأزمة الراهنة.
ومما يُثير القلقَ أكثر هو أن معدلات البطالة الحالية قد تستمرّ إلى عام 2016 أو بعدها.
ويُشير تقرير منظمة العمل الدولية إلى أن معدلات البطالة أعلى بين النساء في معظم مناطق العالم، ولكنها أظهرُ في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
ويُلاحظ كذلك أن أولئك الشبابَ والشاباتِ الذين يُسعدهم الحظ بالحصول على عمل يواجهون مشكلةً أُخرى تتعلق بنوعية العمل وظروفه. فكما هو مُتوقّع، حينما يكون الحصول على عمل أمراً عزيزاً، فإن الشباب قد يتهالكون على الحصول على أي وظيفة، ولذلك فقد يقبلون عملاً جزئياً أو مؤقتاً، أو وظيفة لا تتوافق مع مؤهلاتهم أو توقعاتهم.
وللأسباب نفسها، فإن بطالة الشباب كثيراً ما تكون مُقَنّعة، إما من خلال استمرارهم في التعليم والتدريب، أو بعملهم مجاناً أو بصفة غير رسمية.
وإذا كانت معدّلات بطالة الشباب سيئةً على هذا النحو دولياً، فما عسانا أن نقول عن بطالتهم في منطقتنا؟ فكما ذكرتُ آنفاً، فقد بلغت معدلاتُ البطالة في منطقتى الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا نحو 27-28%، أي ضعف المعدل الدولي.
وكما نعلم فإن شرارةَ "الربيع العربي" قد أشعلتها بطالةُ الشباب. ففي تونس، حيث شعرنا بأول زلزال، كانت البطالةُ السببَ المباشر. فعلى الرغم من أن الاقتصادَ التونسيَّ كان ينمو بمعدلات جيدة، إلا أنه لم يكن قادراً على توفير الوظائف بنفس المعدلات للشباب الباحثين عن عمل.
ومع أن الربيع العربي ربما بدأ بسبب أزمة بطالة الشباب، فإن ذلك لا يعني أنه استطاع حل تلك الأزمة. بل على العكس من ذلك، إذ ارتفعت بطالة الشباب خلال الفترة الماضية. فحسب بيانات منظمة العمل الدولية، ارتفعت معدلات البطالة بين الشباب العرب بشكل سريع خلال الفترة الماضية. ففي عام 2010، أي لدى بداية الربيع العربي، كانت معدلات البطالة في حدود 20%، في حين ارتفعت اليومَ إلى 27-28%.
وغنيُّ عن القول أن بطالة الشباب بهذه المستويات ليست أزمةً اقتصادية فحسبُ، بل هي كارثةٌ إنسانية، وأمنيةٌ وأخلاقية. فنحن نخاطر بفقدان جيل كامل، نسلّمه لشبح البطالة وما يترتب عليه من تبعات: اليأس، والإحباط، والجريمة والمخدرات. ولهذا السبب عينه، يجب ألا نترك باباً إلا طرقناه، ولا تكلفةً إلا تحملناها، لمواجهة هذه الأزمة. أما الوسائل المؤقتة، فإنها لن تحل المشكلة. فقط ربما أخّرتْ الكارثة قليلاً.