أصاب انهيار العملة الرقمية تيرالونا بأكثر من 99 % من قيمتها موجة من الذعر في أسواق العملات الرقمية، وأدى لموجة من الهروب من الاستثمار في تلك العملات الافتراضية، ما تسبب بمزيد من الانهيارات في عدد من العملات، وأعاد للمستثمرين الذين أغراهم الارتفاع السريع والكبير لتلك العملات مخاوفهم من خسائر لا يمكن تعويضها بانتهاء مرحلة العملات الرقمية التي حذر منها في وقت سابق عدد من المحللين.

وعلى الرغم من عدم وجود اعتراف بتلك العملات الرقمية في أغلب بلدان العالم، ووجود تحذيرات محلية من الانسياق خلف الاستثمار فيها، فإن الانهيار الأخير أظهر أن الضحايا كثر، وأن إغراء الربح السريع دفع بكثيرين لوضع رؤوس أموالهم والاقتراض لشراء عملات افتراضية لا تعتمد على أي أصول ثابتة.

انهيار لونا المخيف


بدأت موجة الذعر مع انهيار عملة تيرالونا الرقمية من 118 دولارا خلال سنة لتصل إلى نحو 0.006 قبل أسبوع، حيث أثر ذلك الهبوط على باقي العملات وتسبب في انخفاض قيمة العملات الرقمية من 3.5 تريليونات دولار لتصل إلى نحو 1.15 تريليون دولار خلال أقل من عام، وهو ما دفع عدد من العملات الرقمية المستقرة نسبيا إلى أن تحاول ربط قيمة عملتها بعملات حقيقية مثل الدولار في محاولة منها للهرب من الانهيار.

وانخفضت قيمة «بيتكوين» إحدى أشهر العملات الرقمية خلال عام بنحو 36 % في حين انخفضت اليثيروم بنسبة 44 %، وكارندو بنسبة 75 %، والدجكوين انخفضت بنسبة 84 %، وعملة الترون 40 % ولايتكوين 77 %، وستيلر 85 %، أما عملة داش فكانت إحدى أقل العملات في نسبة الانخفاض السنوي بنسبة 7 %.

أسباب الانهيار

يرى المستشار الاقتصادي الدكتور علي بوخمسين أن أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار الكبير الذي شهده الاستثمار في العملات المشفرة يرجع لسببين، الأول خارجي يتعلق بطبيعة الاستثمار، وقال «شهدنا في الـ6 أشهر الأخيرة عددا من التصريحات من رئيس مجلس الاحتياطي الأمريكي، الذي صرح بأنه سيتم اتخاذ إجراءات قوية وشديدة لضبط التضخم الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي الذي بدأ يلامس سقفا لم يصل له منذ 40 عاما، حيث شهد 8.4 % كمعدل تضخم قياسي، وسبب هذا التضخم هو ازدياد السيولة التي ضختها الحكومة للتحفيز الكمي لضخ الأموال داخل دائرة الاقتصاد الأمريكي، بهدف إنعاش الاقتصاد ولدعم الاقتصاد لمواجهة آثار جائحة كورونا، وما سببته من آثار كبيرة على الاقتصاد الأمريكي، حيث أدت إلى انحسار معدل النمو في هذا الاقتصاد مما أدى إلى اللجوء إلى أسلوب التيسير الكمي الذي بدأته إدارة ترامب بضخ 6 تريليونات دولار في الاقتصاد الأمريكي، وواصلت الإدارة الحالية المشوار لمتابعة التحفيز إلى أن بدأوا يشعرون بخطورة هذا التحفيز ووجود سيولة فائضة جدا أدت إلى حدوث تضخم وانتعاش كبيرين في أسواق العملات الرقمية، فقررت الإدارة الأمريكية فرض زيادة على معدل الفائدة، ومن هنا بدأ يحدث الانهيار، وتم استشعار هذا القرار منذ بداية إعلانه، وشهدنا انهيارات في أسواق العملات الرقمية منذ نوفمبر 2021 حيث بدأت تنحسر العملات الرقمية، ولكن ما حصل هذه المرة أنه تم الزيادة 50 نقطة أساس، وهذا أدى لانهيار فوري لأنه حدث توتر في خيارات المستخدمين، وأصبحت تتجه نحو التخارج في أسواق العملات الرقمية بهدف الوصول لبر الأمان والهروب مما قد يواجه هذه العملات من مخاطر، ولكون البيوع سريعا حدث الانهيار، ومن المعلوم أن سلوك المستثمرين يبتعد عن المخاطرة العالية، وهنا سوف تجف السيولة وسيعاني المستثمر من شح السيولة، فستنهار قيمتها، وبالتالي يخرج المستثمرون منها، وهذا ما حدث على أرض الواقع».

وأضاف «نلاحظ أن هناك ارتباطا بين سلوك المستثمرين في سوق الأسهم وسلوك المستثمرين في سوق العملات الرقمية، والتحسن في أداء أسواق الأسهم يصاحبه تحسن في العملات الرقمية، وشهدنا في الأسبوع الماضي، حصول انهيار كبير في نازدك والمؤشرات الأخرى الأمريكية، وكان من الطبيعي حدوث انهيارات في أسواق العملات الرقمية التي تعد أكثر هشاشة وأكثر عرضة للانخفاض لأنها غير مرتبطة باستثمار حقيقي، وليست مدعومة بمصدر قوة كالذهب أو عملات دولية، وبالتالي هي معرضة للانهيار بشكل سريع وسهل من دون وجود مقومات مرتبطة بالاقتصاد الكلي».

طبيعة العملات الرقمية

يرى بوخمسين أن هناك سببا آخر للانهيار متعلقا بطبيعة العملات الرقمية، وقال «هذا ما شهدناه في عملة التيرالونا وهي أكثر استقرارا لارتباطها بالدولار إلى حد ما، والخلل كان في نظام التسعير وشهد إخفاقا في قدرته على إدارة العناصر المؤثرة على هذه العملة، فشهدنا انهيارها، حيث انخفضت من 118 دولارا إلى 0.006، وهناك مجموعة مختلفة من العناصر الأخرى التي أثرت الآن وعززت من زخم هذا الانهيار، تتمثل في الظروف السياسية المتعلقة باستثمار العملات الرقمية، من حيث قرار الحكومة الصينية التضييق على نطاق هذه العملات، ودخول إيلون ماسك للاستثمار في إحدى العملات الرقمية، وخروجه بسرعة، وتبعه خروج عدد من المستثمرين، إضافة لتطورات التشريعات المالية في أمريكا، والتي قيدت عملية تأسيس صندوق للاستثمار في العملات الرقمية، وترك هذا انطباعا أن مستقبل هذه العملات لن يكون سهلا، وهذا عزز من موجة الهلع والخروج السريع للاستثمارات، فسوق هذه العملات كانت تقدر بأكثر من 3.5 تريليونات دولار، وقد انخفضت إلى ما دون 1.05 تريليون دولار، كما أن سوق العملات الرقمية لا يتعلق بالعملات الرقمية نفسها بل يتعلق بالمنتجات الفنية الإلكترونية، وهذه أيضا استثمارات رقمية تندرج تحت الاستثمار في العملات الرقمية، وشهدنا عمليات بيع لبعض القطع بلغت ملايين الدولارات، ولم تستطع مؤخرا أن تحقق 10 % من قيمتها السابقة».

مستقبل العملات الرقمية

يشير بوخمسين إلى أنه يجب قراءة مستقبل الاستثمار في العملات الرقمية بتمعن شديد، فهناك انهيارات حصلت سابقا، ولكن الانهيار الآن مختلف لأنه أصبح مصحوبا بتغير في ملامح الاقتصاد العالمي تركته جائحة كورونا على مكونات الاقتصاد العالمي وأثرت على سلاسل الإمداد، ومن ثم التعافي الذي حدث، والاضطراب الذي وجدناه في العملات والاضطرابات التي حصلت في أسواق النفط والحرب الأوكرانية كلها تركت تأثيرا كبيرا، بجانب التضخم الذي حدثـ وكيف تم رفع الفائدة بشكل متزايد ومتتال ما سبب جفاف السيولة، وهذا السيناريو مختلف عما شاهدناه سابقا، فربما لن تعود العملات الرقمية لسابق عهدها، وإن حدثت ستكون بطيئة، وبالتدريج وقد نشهد فترات طويلة إلى أن تبدأ تتعافى من هذه الصدمة، وفي حال تكرار سيناريو جائحة كورونا أو الأزمات الاقتصادية سيكون هذا انهيارا صعبا جدا على أسواق العملات الرقمية، وستعجل من خروجها من دائرة الاستثمار، ناصحا المستثمرين الحاليين إذا كانت أموالهم حرة وليست قروضا فمن الأفضل الإبقاء على هذه الأموال بهذه العملات لأنها ستتعافى عن الوضع الحالي، ويستطيعون الخروج منها بشكل تدريجي في حال مرور هذه العملات بموجات ارتفاع في المستقبل، أما لمن هم معتمدون على الديون والقروض، فعليهم التخارج بشكل أسرع إذا تم تحقيق أي ارتفاعات تعوض خسارتهم في هذه الاستثمارات.

أفضل طرق الاستثمار

يرى بوخمسين أن أفضل الطرق المقترحة في الاستثمار في هذه العملات هي البعد عنها لمن لا يمتلك الخبرة الكافية في هذه الأسواق، ويستطيع فهم المؤثرات الخارجية والداخلية المحيطة ببيئة الاستثمار في أسواق العملات المركزية، ويستطيع تحليل التأثيرات المتشابكة المحيطة بهذه البيئة الاستثمارية ولو في حدها الأدنى، بما يمكنه من وضع خطة استثمارية مناسبة لإدارة استثماراته وتمكنه من اتخاذ القرار المناسب في الدخول والخروج في الوقت المناسب، وفي أي عملة يستثمر، وكيف يوزع استثماراته داخل هذه السوق، وكيف يوازن بين إجمالي استثماراته الأخرى، بحيث لا يضع كل استثماره في خيار واحد ويختار وفق معدلات أداء تاريخية، وتحليل العوائد المادية لها مع الموازنة بين المخاطر والعائد، وبين المخاطر والعائد في الخيارات الاستثمارية الأخرى، وبطبيعة الحال ما لم يكن محللا ماليا متخصصا فلن يمتلك هذه القدرات، لذا فإنه من الأجدر الاستعانة ببيوت خبرة متخصصة لمساعدته في اتخاذ قرار استثماري مناسب وجيد قدر الإمكان.

وقال «للأسف ما شهدناه حاليا هو غياب كامل لمثل هذه الاحترازات، بل نجد أنها أشبه بموجة عارمة استقطبت الجميع من مختلف الأعمار والمستويات المالية بالدخول في هذه الأسواق بهدف تحقيق مكاسب سريعة وسهلة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن المستثمرين بالذات الصغار ممن لا خبرة لهم ليخسروا استثماراتهم بالكامل، وهذا ما نحذر منه غالبا بعدم المخاطرة بكل رأسمالك وبالذات في سوق لا تعرفها بشكل جيد، فكيف الحال ونحن إزاء سوق مضاربية بامتياز وجديدة ولا توجد قواعد تحكمها ومتقلبة، وتعاني من كثير من العوامل الضاغطة عليها، وصاحب ذلك تقلبات حادة في الاقتصاد العالمي بما أفقد البوصلة حتى لكبار المستثمرين الدوليين فكيف بمن هم دون ذلك بكثير».

أسعار بعض العملات الرقمية

(القيمة بالدولار)

(النسبة المئوية تشير لمقدار الانخفاض)

بيتكوين= - 36 %

17 مايو 2021= 46585

16 مايو 2022= 29895

إيثريوم= - 44 %

17 مايو 2021= 3602

16 مايو 2022= 2033

كارندو= - 75 %

17 مايو 2021= 2.29

16 مايو 2022= 0.57

الدجكوين= - 84 %

17 مايو 2021= 0.51

16 مايو 2022= 0.08

الترون= - 40 %

17 مايو 2021= 0.1

16 مايو 2022= 0.06

لايتكوين= - 77 %

17 مايو 2021= 297

16 مايو 2022= 67

ستيلر= - 85 %

17 مايو 2021= 0.7

16 مايو 2022= 0.1

داش= - 7 %

17 مايو 2021= 61

16 مايو 2022= 57