خطرت على ذهن تولستوي فكرة أن يكتب كتابا خاصا عن الأمر، وقال: «بدأ الأمر معي بالكتابة عن الحياة والموت، لكن عندما انتهيت تبين لي أن علي أن أزيل النصف الثاني من العنوان، لأن هذه الكلمة -على الأقل بالنسبة لي- فقدت مغزاها تماما».
بينما البذرة الأولى لكتاب «عن الحياة - بحث في طبيعة الحيـاة ومغزاهـا» كانت قد ظهرت -بحسب الناشر دار الرافدين- في مقالة نشرها تولستوي بعنوان «مقالة عن الحياة» بمجلة الثروة الروسية، كان أوبولينسكي صديق تولستوي قد حثه كثيرًا على كتابتها.
يقول تولستوي في أحد خطاباته إليه: «أكتب الآن أفكارا عن الحياة والموت وأعيد صياغة ما قرأته، ويبدو لي هذا الموضوع شديد الأهمية».
عقل جبار
الكتاب الذي ترجمه عن الروسية يوسف نبيل، بحث فلسفي في طبيعة الحياة، يتميز بلغة بسيطة وواضحة رغم تطرقه لمسائل فلسفية عميقة.ولأن تولستوي لم يكف يوما عن التفكير في مغزى حياته وحياة البشر عموما، يلتقي القارئ بتولستوي المفكر والفيلسوف القلق الذي لا يكف عن مراجعة أفكاره وتعديلها، مثلما لم يكن يكف عن مراجعة بروفات أعماله.
هذه العملية العقلية الديناميكية -والتوصيف للناشر- التي لا تتوقف هي واحدة من أهم سمات هذا العقل الجبار.
مقاومة الموت
يتكون الكتاب من 35 فصلا، إضافة إلى 3 ملاحق. يتناول الفصل الأول «التناقض الرئيس في الحياة الإنسانية».وتنسب كلمة «الحياة» لشيء مثير للجدل، لا يتضمن النواة الأساسية للحياة، مثل الوعي بصنوف المعاناة والمتعة والسعي إلى الخير.
ويذكر تولستوي أنه منذ أقدم الأزمنة وشيء مشابه يحدث جنبا إلى جنب مع المعرفة الحقيقية للناس حيال مسألة الحياة.
ومنذ أقدم الأزمنة وهناك أفكار شهيرة عن مصدر الحياة، وما إذا كان المصدر غير مادي أم مزيجًا من مواد مختلفة. تستمر هذه الأفكار إلى يومنا هذا، ولا يبدو أن ثمة نهاية لها، وذلك لسبب محدد يتمثل في أن هدف كافة هذه الأفكار قد تمت تنحيته بعيدًا، وهم يفكرون في الحياة بمعزل عن هدف التفكير؛ باختصار إنهم لا يفكرون في الحياة ذاتها، بل في مصدرها أو ما يقترن بها.
ويضيف: عند التحدث عن الحياة الآن، لا في الكتب العلمية وحسب، بل حتى في المناقشات، لا يتحدثون عن الحياة التي نعرفها؛ الحياة المقترنة بصنوف المعاناة التي أخشاها وأكرهها، والمقترنة أيضًا بصنوف المسرات والمتع التي أرغب فيها، بل يتحدثون عن شيء آخر قد يكون نتج عن لعبة عشوائية وفقا لبعض القوانين الفيزيائية، أو نتج عن سبب سري.. الحياة هي مجموعة من الوظائف تقاوم الموت.
أفكار زائفة
وإذا كانت كلمة «الحياة» قصيرة للغاية وناصعة الوضوح، وجميعنا يفهم المقصود، فإن تولستوي يورد جملة من التعريفات للحياة، ومنها «الحياة تركيبة خاصة من تغيرات مختلفة تحدث بصورة متتابعة»، «الحياة هي عامل»، «الحياة هي نشاط خاص لمادة عضوية»، «الحياة هي تكيف العلاقات الداخلية مع الخارجية».وبغض النظر عن المواضع غير الدقيقة والمتكررة التي تمتلئ بها هذه التعريفات، لكن جوهرها واحد، من حيث إنها جميعًا لا ترتكز على ما يفهمه الناس جميعًا بلا جدال بكلمة «الحياة»، بل على عمليات مقترنة بالحياة وظواهر أخرى. تقترب معظم هذه التعريفات من عملية تشكل البلور، حيث يتخمر بعضه وينحل البعض الآخر، كما أن جميع هذه التعريفات تلائم كل خلية مفردة في جسدي، حيث إنه ليس ثمة خير أو شر بالنسبة لهذه الخلايا. إلى أن يصل للقول: التفكير في بعض شروط الحياة باعتبارها الحياة ذاتها يماثل أن نفكر في النهر باعتباره هو المطحنة ذاتها. قد تكون مثل هذه الأفكار ضرورية جدًا لهدف ما، لكنها لا تتعلق بالموضوع المراد مناقشته، لذلك فإن كافة الاستنتاجات عن الحياة المستمدة من هذه الأفكار لا يمكن ألا تكون زائفة.
من يستطيع الحب؟
يتوقف تولستوي عند الحب، عادًا إياه النشاط الوحيد والكامل للحياة الحقيقية، ويفصل في ذلك قائلا: ليس هناك حب أعظم من أن يضحي أحد بنفسه من أجل صديقه. لا يكون الحب حقيقيًا إلا عندما ينطوي على تضحية بالنفس. لا يكون الحب حقيقيًا إلا عندما يعطي صاحبه شخصًا آخر وقته وقواه، ليس ذلك وبل عندما يبذل جسده من أجل محبوبه، ويعطيه حياته كلها. جميعنا يدرك أن ذلك وحده هو الحب، ولا نجد خيرنا إلا في هذا الحب، والعالم ليس موجودًا إلا بسبب هذا الحب. الأم التي ترضع وليدها تبذل نفسها مباشرة حيث تقدم جسدها طعامًا لوليدها، ولا حياة لهما دون ذلك. هذا هو الحب؛ أن تبذل نفسك وتقدم جسدك طعامًا لآخر، مثل أن يضني كل عامل جسده في العمل من أجل تحقيق الخير للآخرين، ويقترب من الموت. هذا الحب غير ممكن إلا للإنسان الذي لا يجد شيئًا يقف عائقا أمام اختياره أن يضحي بنفسه من أجل أحبائه. الأم التي تعطي ابنها لمرضعة لا يمكنها أن تحبه، والشخص الذي يكسب المال ويكومه لا يستطيع أن يحب.نبتة لطيفة
حين يتوغل تولستوي في تفاصيل قراءاته للحب، نجده يشير إلى أن: ليس الحب ميلا إلى ما يزيد الخير الزمني لشخصية الإنسان مثلما هو الحال مع حبنا لشخصيات أو أشياء مختارة، بل هو سعي لخير الآخرين يبقى في الإنسان بعدما ينكر خير الشخصية الحيوانية.ثم يتساءل تولستوي: ومن منا لم يختبر ذلك الشعور المبارك، ولو لمرة واحدة؟ وغالبًا ما يكون ذلك قد حدث في أقدم فترات الطفولة حينما لم يكن كل ذلك الكذب قد ملأ أنفسنا؛ ذلك الكذب الذي يخنق الحياة فينا. إنه ذلك الشعور الرقيق المبارك الذي يجعلنا نود أن نحب الجميع؛ الأقرباء والأب والأم والإخوة والأشرار والأعداء والكلب والجواد والعشب... إنه يجعلنا نريد شيئا واحدا؛ أن يكون الجميع بخير وسعداء، كما يجعلنا نريد أن نسلك بحيث نحقق للجميع هذه السعادة، ونبذل أنفسنا وحياتنا كلها ليكون الجميع بخير وسرور. هذا الشعور موجود، وهو وحده الحب، وفيه وحده حياة الإنسان. وهي في مثل هذا الحب وحده تكمن الحياة، وتتجلى في روح الإنسان كنبتة بارزة لطيفة وسط أعشاب أخرى خبيثة خشنة.
الحياة الحقيقية
إضافة إلى الحب كإعطاء أساسي للحياة، أين يشعر الإنسان بها؟ يجيب تولستوي بقوله: لا يشعر الإنسان بالحياة إلا في داخله؛ في داخل شخصيته، ولذلك يتصور الإنسان في البداية أن الخير الذي يريده هو خير شخصه وحسب. يبدو له في البداية أنه هو وحده من يعيش فعلًا. لا تبدو له حياة الآخرين كحياته على الإطلاق، بل تبدو له مجرد شيء يشبه الحياة. إنه يلاحظ حياة الآخرين وحسب، ومن واقع ملاحظته يعرف أنهم يعيشون.
ويؤكد تولستوي أن الإنسان يعرف عن حياة الآخرين عندما يود أن يفكر فيهم، لكنه يعرف أنه لا يستطيع أن يتوقف ولو لثانية واحدة عن معرفة أنه حي، ولذلك يبدو لكل إنسان أن حياته وحدها هي الحياة الحقيقية.
تولستوي
الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي«1828 - 1910»
من عمالقة الروائيين الروس
من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر
البعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق
أشهر أعماله
(الحرب والسلام) 1869، رواية تتناول غزو نابليون لروسيا عام 1812.
(أنا كارنينا) رواية تعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية
(ما الفن؟) كتاب يوضح أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا ولا بد أن يخاطب عامة الناس.
أواخر حياته عاد لكتابة القصص الخيالية فكتب (موت إيفان إيلييتش)
كتب بعض الأعمال المسرحية مثل (قوة الظلام) 1888
تقديره للثقافة العربية
أضمر احترامًا للأدب العربي، والثقافة العربية، والأدب الشعبي العربي.
تراسل مع الإمام محمد عبده.
حكايات عربية عرفها منذ طفولته:
«علاء الدين والمصباح السحري».
«ألف ليلة وليلة».
«علي بابا والأربعون حرامي».
حكاية «قمر الزمان بين الملك شهرمان»
توفي عام 1910 بعد 82 عاما.
أمضى الساعات الأخيرة في الوعظ عن الحب واللا عنف.