لسنا بحاجة في اليمن إلى مناسبات سنوية أو موسمية للتذكير بجرائم زراعة الألغام والعبوات الناسفة ونتائجها الكارثية والأضرار المرعبة سواء البشرية أو المادية التي خلفتها، فالجرائم والحوادث المتكررة نتيجة زراعة الألغام الحوثية تذكرنا كل يوم بالمآسي والآلام والتي تهتز لها الإنسانية، وسيظل خطرها حتى بعد أن تنتهي الحرب.
جريمة زراعة الألغام والعبوات الناسفة واحدة من جرائم الحوثيين ضد أبناء اليمن التي راح ضحيتها المئات من النساء والأطفال والمدنيين، وهي الجريمة الحصرية التي تنفرد بها جماعة الحوثي، وتنتهك القانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية التي تنص على حماية المدنيين أثناء النزاع المسلح، واتفاقيات تحريم إنتاج وصناعة ونقل وتخزين وزراعة الألغام.
صادقت بلادنا مبكرًا على «اتفاقية أوتاوا» المتعلقة بالألغام 1997 مع معظم دول العالم، والتي تجرم زراعة وصناعة ونقل الألغام التي يتضرر منها الأبرياء أثناء الحروب وبعد الانتهاء من النزاعات، إلا أن جماعة الحوثي ـوالتي صنفت بأنها جماعة إرهابية من قبل الإدارة الأمريكية ورفعت من قائمة التصنيف بعد شهر واحد فقط، تحت مبررات المساعدات الإنسانيةـ ما تزال ماضية في زراعة الألغام، لأنها وجدت تعاطفًا دوليًا شجعها على الاستمرار في جرائمها ضد المدنيين دون الضغط عليها لتعديل سلوكها الإجرامي وممارسة انتهاكاتها ضد المدنيين ومنها الجريمة الأبرز القتل والإصابات والإعاقات الدائمة بسبب الألغام التي تزرعها.
في الوقت الذي يعاني فيه أبناء اليمن من ظروف معيشية واقتصادية صعبة، تكثف ميليشيا الحوثي المسلحة من زراعة الألغام وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية وفرق المنظمات الإغاثية إلى المناطق الملغومة، ما يضاعف معاناة المدنيين والأبرياء في المجتمعات الضعيفة.
لا شك بأن صمت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية تجاه الحوثيين في ارتكابهم جرائم جسيمة من أخطرها زراعة الألغام في المزارع والأماكن العامة والطرقات العامة تسببت في تدهور الحالة المعيشية للمزارعين وأصحاب الدخل المحدود، حيث توقفت الحياة اليومية وتأثرت المحاصيل الزراعية، وأصبح من الصعوبة الحصول على الغذاء الكافي والمياه النظيفة، ما يزيد من مخاطر انتشار الأوبئة والأمراض في مجتمع يعاني من ضعف شديد في الرعاية الصحية ويعرض آلاف الأطفال والنساء للخطر المحقق.
خلال السنوات الأخيرة تم نزع ما يقارب من نصف مليون لغم وعبوة ناسفة، وفقًا لخبراء ومتخصصين في المركز الوطني للتعامل مع الألغام ومركز مسام لنزع الألغام في اليمن، وما تزال مئات الآلاف من الألغام تحت الأرض تهدد حياة مئات الآلاف من الأبرياء.
لم يتوقف الأمر عند قتل الأطفال بالألغام وتعرضهم للإعاقات الدائمة وبتر أطرافهم، بل وصل القبح بميليشيا الحوثي إلى استخدم الأطفال في زراعة الألغام وتدريبهم عليها والتعامل معها وهي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي واتفاقيات وبروتوكولات حماية الطفولة.
تعد الفعاليات الاحتجاجية في الخارج والحملات الالكترونية واحدة من أهم الأدوات لكشف انتهاكات وجرائم جماعة الحوثي للرأي العام العالمي والمحلي، وليتعرف العالم على حجم الإجرام الذي تمارسه بحق اليمنيين.
إن عملية رصد وتوثيق جرائم زراعة الألغام وأضرارها الجسيمة خطوة مهمة في سبيل تحقيق العدالة، ولحفظ حقوق الضحايا والمتضررين، وتوثيق الجرائم التي يتعرض لها المدنيون والأبرياء ورصدها وسيلة لتحقيق مبدأ المساءلة الجنائية والانتصاف لهم، حتى لا يفلت مرتكبو هذه الجرائم من العقاب كونها جرائم لا تسقط بالتقادم.
سيكون من العبث وإهدار الوقت في مطالبة مليشا الحوثي بالتوقف عن زراعة الألغام وتسليم الخرائط التي توضح حقول الألغام، ما لم تكن هناك إجراءات حازمة وضغوط دولية حقيقية بدون أي تراخ، حتى تتمكن الجهات المختصة من نزعها، و ليتوقف نزيف الدم من المدنيين بالقتل والإصابات والتشوهات بسبب انفجار الألغام والعبوات الناسفة.
هناك جهود مشكورة من قبل مركز مسام السعودي والبرنامج الوطني لنزع الألغام، غير أن التحديات والواقع، بحاجة إلى إعداد برامج لرفع قدرات العاملين في مجال تطهير ونزع الألغام، ورفع مستوى الوعي الجماهيري بمخاطر الألغام والتعامل معها بالشراكة الفاعلة مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني.
أصيب أبناء اليمن بخيبة أمل من تماهي منظمات الأمم المتحدة ودعم ميليشيات الحوثي بسيارات بمبرر نزع الألغام وتوقيع اتفاقيات بملايين الدولات للحوثيين تحت لافتة التوعية بمخاطر الألغام، في تواطؤ مكشوف لأنهم يدركون بأن الحوثي الطرف الوحيد من يزرع الألغام، وهو ما أكدته وتناولته جميع التقارير الدولية وتقارير الخبراء.
في خضم المساعي الدولية لإنهاء الحرب يجب اتخاذ مواقف ثابتة من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية للضغط على المجتمع الدولي وتحمل مسئولياتهم القانونية والأخلاقية لحماية الأطفال والنساء والمدنيين في اليمن من خطر الألغام وجرائم القتل والتشويه والإعاقات المختلفة، والتحقيق في عمليات تصنيع وزراعة الألغام بصورة عشوائية في مساحات واسعة وبدون أي خرائط توضح أماكنها ما يعرض حياة المدنيين للقتل مستقبلاً، باعتبارها عمليات قتل جماعي وجرائم حرب.