وفي السويد تبنى أكثر من نصف المباني من الخشب، وحالها حال بقية الدول الإسكندنافية، تستفيد من مواردها الحرجية الكبيرة ومهاراتها التقليدية، في مجال الصناعات الخشبية، وهي تسعى إلى أن تكون رائدة في مجال تشييد المباني الخشبية المراعية للبيئة والأقل تلويثاً. وقد تقود المباني الخشبية إلى ثورة في هندسة الأبنية، وهي هندسة تراعي البيئة في الدرجة الأولى، كما أنها تتميز بمرونتها في التعديل. ويمتاز الخشب بعزله الصوت واستدامته وعدم تمدده، ناهيك عن مزاياه الأخرى.
طوابق متعددة
في مدينة شيلفيو «أو خيلفيو، حسب النطق المحلي» يبرز برج ذو لون رملي يلمع تحت أشعة الشمس، ويسمى مركز سارة الثقافي، وقد دشن من 20 طبقة، ويضم فندقاً ومكتبة وقاعة عرض ومسرحاً، وذلك نهاية العام الماضي، في مدينة يسكنها 35 ألف نسمة في شمال السويد. وتغطي الغابات التي تضم في معظمها أشجار التنوب، عدداً كبيراً من المناطق الشمالية في السويد، فيما يُعتبر بناء المنازل الخشبية تقليداً قائماً منذ فترة طويلة.
رواد التغيير
يرغب المهندسون المعماريون السويديون حالياً، في أن يصبحوا رواد تغيير جذري على مستوى البناء، وتوجيه هذا القطاع نحو اللجوء إلى طرق بناء أكثر استدامة، إذ ظهرت مبان خشبية عالية في السويد والدول الإسكندنافية المجاورة، بفضل تقنيات متطورة في هذا القطاع. وتقول المسؤولة عن التخطيط العمراني في شيلتفيو، تيريز كرايسل إنّ «المركز بطبقاته العشرين متين بفضل الأعمدة والعوارض وتفاعلها مع الفولاذ والخشب». وبنيت قمرة المصاعد في المبنى من الخشب أيضاً. وتشير كرايسل إلى عدم استخدام «مادة البلاستر ومانعات التسرب والمواد العازلة على الخشب»، مضيفة أنّ هذا الأسلوب «فريد لجهة مبنى مؤلف من عشرين طبقة».
مراعاة البيئة
الميزة الرئيسية للعمل بالخشب تتمثل في أنّه صديق للبيئة أكثر من المواد الأخرى.
ويعتبر الإسمنت المستخدم في صناعة الباطون بالإضافة إلى الفولاذ، وهما أكثر مادتي بناء شيوعاً، من بين أكثر المواد تلويثاً لأنّ استخدامهما يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة جداً من ثاني أكسيد الكربون، أحد أبرز غازات الدفيئة.
أما الخشب فيؤدي إلى انبعاث نسب منخفضة من ثاني أكسيد الكربون ويحتفظ بالكربون الذي تمتصه الشجرة حتى عند قطعه واستخدامه في البناء، ولأنه ـ أي الخشب ـ أخف وزناً، فإنه يتطلب أسس بناء أقل.
وتشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي، إلى أنّ انبعاثات الكربون الناجمة من استخدام الخشب في البناء، أقل بأكثر من 30 مرة من الانبعاثات الخاصة بالخرسانة، وأقل بمئات وحتى آلاف المرات من الانبعاثات الكربونية جراء استخدام الفولاذ.
وتقول المنسقة في منظمة «تراستاد»، التي تكافح من أجل رفع عدد الأبنية الخشبية جيسيكا بيكر، إنّ الجهود العالمية المبذولة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، أثارت طفرة على مستوى الاهتمام بالمباني الخشبية.
ويؤكد روبرت شميتز، أحد مهندسَيْ المشروع المعماريَّيْن، أنّ برج شيليفتيو «دليل على إمكانية بناء مبنى مرتفع عبارة عن مجمّع بالاعتماد على الخشب».
ويضيف «عندما يشكل هذا الإنجاز مرجعاً خلال المناقشات، يمكن القول بنينا هذا المركز، فكيف يمكن الإشارة إلى أنّ الأمر غير ممكن؟».
أما البرجان اللذان يتفوقان على «مركز سارة الثقافي» في الارتفاع فهما برج شُيّد أخيراً في بروموندال النرويجية المجاورة، يبلغ ارتفاعه 85 متراً، ومبنى في فيينا بعلوّ 84 متراً.
ويتوقّع أن ينتزع مبنى قيد الإنشاء في مدينة ميلووكي الأمريكية، ومن المقرر تدشينه قريباً لقب أطول مبنى خشبي في العالم، بارتفاع يزيد قليلاً على 86 متراً.
لعبة أساس الهندسة
يوضح المهندس المعماري الثاني في المشروع أوسكار نوريليوس، أنّ بناء المركز الثقافي من أخشاب التنوب شكّل «تحدياً كبيراً» لكنّه «أتاح المجال أمام التفكير بطرق بناء جديدة».
ويقول إنّ غرف الفندق كانت على سبيل المثال، مشيدة بأسلوب الوحدات السكنية الجاهزة ثم «كُدّست كقطع الليجو في الموقع».
وحاز المبنى عدداً كبيراً من جوائز مرتبطة بالهندسة المعمارية الخشبية.
ويؤكد أنديرس بيرينسون، وهو مهندس معماري آخر في ستوكهولم، يفضّل الاستعانة بالخشب في عمله، أنّ لاستخدام هذه المادة إيجابيات كثيرة.
ويقول «إذا سُجّل خطأ ما أثناء عملية التقطيع، فمن الممكن تعديله في الموقع باستخدام السكين والمنشار، إن الخشب يمثل تقنية عالية وبسيطة في الوقت نفسه».
أما في ستوكهولم، ففاز مجمع «سيدرهوسن» السكني المصنوع من الخشب بلقب مبنى العام، الذي تمنحه المجلة السويدية المتخصصة «بيجندسترن».
ويتميز المجمع، وهو في مراحل بنائه النهائية، بألواح خشب أرز صفراء وحمراء موضوعة على الواجهة.
ويقول باكر «أعتقد أننا لاحظنا تغييراً خلال السنوات القليلة الفائتة»، مضيفاً «نشهد تغييراً كبيراً في الوقت الحالي، وهو بمثابة نقطة تحوّل، وآمل أن تبدأ دول أخرى بإنجاز مبانٍ خشبية، إذ نرى أمثلة منها في إنجلترا وكندا وبلاد أخرى».
برج سارة في شيليفتيو
مبني بالكامل من شجر التنوب
فندق
مركز ثقافي مكتمل بمسرح
متحف
20 طابقا
ارتفاعه 76 مترا