نفتخر ونعتز في المملكة العربية السعودية، طيلة القرون الثلاثة الماضية، بأننا أهل التوحيد وأهل الفقه، نفتخر بأساس الدولة والدعوة، ونعتز بسر القوة والثبات، فالتوحيد نحن جنوده وحملة رايته والمدافعون عن وطنه، والفقه نحن علماؤه والذائدون عن صفائه وسماحته.

كان أسلافنا أصحاب فهم عميق لأساس ومقاصد العلم الشرعي، وينظرون إلى التوحيد من خلال عقيدة واحدة ورب واحد ووطن واحد وإمام واحد، لا همَّ لهم إلا أن تكون الكلمة واحدة والراية واحدة والمجتمع جسد واحد، يعشقون العمل الجماعي والتعاون والتكافل، ويرفضون كل ما يفرقهم ويشتت كلمتهم. بساطتهم هي سرُّ قوتهم، وقوتهم هي سرُّ توحدهم. وأهل الفقه منهم يعون أن بساطة الفقه هي الأقرب إلى التوحيد، وكلما تفقهوا أكثر كانوا إلى التوحيد والبساطة أقرب. هكذا كان الأجداد الذين التفوا حول قائد الوحدة والتوحيد، فقهاء وموحدين.

وإذا كان عاملا الزمن ووفرة المادة قد أحدثا اختلافا في الوقت الحاضر، وأظهرا تغيرا في السلوك الاجتماعي؛ نتيجة للممارسات الخاطئة لقلة من بعض أهل التوحيد والفقه، فأصبح بعض أحفاد أهل التوحيد مع الأسف يمارسون التكلف والتزلف مفتاحًا لباب الغنائم، وفي المقابل فعل نفس العاملين الأفاعيل بالفقه، فاستسهلت الفتوى وزاد التنطع وظهر المتاجرون بالدين والمزايدون باسمه في الفضاء، ومارسوا نفس أسلوب التكسب والمتاجرة بسلاح الفقه، فلم نعد نعرف أهل التوحيد من المتزلفين، ولم نعد نعرف الفقهاء من المتكلفين.

لذا يجب التنبه لخطر مثل هؤلاء القلة على مبادئ المجتمع وخصوصيته، والحرص على تربية أبنائه على قيم وبساطة منهج الأسلاف، بعيدا عن التكلف والتزمت؛ ليدركوا أن التوحيد والفقه ليسا مجرد مادة دينية للتدريس فقط، بل هي مادة تربوية لحياة ولحاضر ومستقبل هذه الأمة التي ترفعها راية ومنهجًا وتطبيقًا.